التوسل بشخص مثل هؤلاء (١) فهو من جهله وسوء فهمه وعدم تعقله ما يقول ، ومثل هذا لا يحل لأحد أن يقلده ولا ينظر في كلامه إلا من له رتبة التمييز بين الحق والباطل وإلا هلك وهو لا يشعر.
وقد قال عليه الصلاة والسلام : «حياتي خير لكم ومماتي خير لكم» قالوا : يا رسول الله قد عرفنا أن حياتك خير لنا فكيف وفاتك خير لنا؟ قال : «أما حياتي فإنكم كلما أحدثتم حدثا أحدث الله لكم المخرج منه بي فإذا متّ فلا أزال أنادي من قبري ربي أمتي حتى ينفخ في الصور ثم لا أزال أجاب أربعين سنة حتى ينفخ الأخرى وتعرض علي أعمالكم فما كان من حسن شكرت الله عليه وما كان من سيئ دعوت الله أن يغفره» رواه الإمام العلامة هبة الله في كتابه توثيق عرى الإيمان ، ورواه غيره.
فهو عليه الصلاة والسلام رحمة لنا في حياته وبعد وفاته فكيف لا يتوسل به إليه ولا نعمل البزل القناعيس نحوه وإليه ، وذلك مما أجمع أهل التوحيد عليه ، وأجمعوا على تكفير من قال بخلاف ذلك. صرح به أئمة الأمة وأولهم مالك.
وكان ابن تيمية ممن يعتقد ويفتي بأن شد الرحال إلى قبور الأنبياء حرام لا تقصر فيه الصلاة ويصرح بقبر الخليل وقبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، وجاء بريدي من مصر باعتقاله على ذلك فاعتقل وكان على هذا الاعتقاد تلميذه ابن قيم الجوزية الزرعي وإسماعيل بن كثير الشركويني فاتفق أن ابن قيم الجوزية سافر إلى القدس الشريف ورقى على منبر في الحرم ووعظ ، وقال في أثناء وعظه بعد أن ذكر المسألة وقال : ها أنا راجع ولا أزور الخليل ، ثم جاء إلى نابلس وعمل له مجلس وعظ ، وذكر المسألة بعينها حتى قال : فلا يزور قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقام إليه الناس وأرادوا قتله فحماه منهم والي نابلس ، وكتب أهل القدس وأهل نابلس إلى دمشق يعرفون صورة ما وقع منه فطلبه القاضي المالكي فتردد وصعد إلى الصالحية إلى القاضي شمس الدين بن مسلم الحنبلي وأسلم على يديه فقبل توبته وحكم بإسلامه وحقن دمه ولم يعزره لأجل ابن تيمية.
ولما كان يوم الجمعة رابع شعبان جلس القاضي جلال الدين بعد العصر بالمدرسة العادلية وأحضر جماعة من جماعة ابن تيمية كانوا معتقلين في سجن
__________________
(١) هنا محذوف هو المفعول الثاني لجعل تقديره شركا ليستقيم الكلام ، اه مصححه.