مدحا ذلك التنزيه» قلنا : يا جاهل اجترأت على الله وعلى عباده فلم تفرق بين الفعل والخلق وظننت بجهلك أنهما سواء وأنه لا يعاقب على فعله ، وقلت : «ما هذا بمعقول لذي الأذهان» وأي ذهن لك حتى تعقل به وأنت عن تعقّل أحكام الربوبية بمعزل؟ وهل مثلك ومثل من هو أكبر منك إلا كمثل الخفاش بالنسبة إلى ضوء النهار؟.
فصل
قال :
وكذاك قالوا ما له من حكمة (١) |
|
هي غاية للأمر والإتقان |
انظر هذه الجراءة والكذب والبهت على العلماء وما قال إنهم نسبوه إلى الله ثم قال :
«ما ثم غير مشيئة قد رجحت |
|
مثلا على مثل بلا رجحان» |
أبصر هذا الفدم البليد الفهم ساء سمعا فساء إجابة كأنه سمع كلام الأشعرية فما فهمه وظن أنهم يقولون إن الأفعال كلها سواء بالنسبة إلى كل شيء وإن المشيئة رجحت بعضها على بعض مع تساويها وإنه ما ثم غير المشيئة وجعل المشيئة هي المرجحة ولم يذكر القدرة والتبس عليه الرجحان الحاصل في الفعل بالرجحان الذي هو موجب للفعل أو باعث عليه ، ومن لا يكون اشتغل بشيء من العلوم كيف يتكلم في هذه الحقائق؟ ثم قال :
«هذا وما تلك المشيئة وصفه |
|
بل ذاته أو فعله قولان» |
__________________
(١) ولا قائل بذلك مطلقا بين فرق المسلمين ، الذين علموا من الدين بالضرورة أن الله عزيز حكيم ، وأما كون أفعال الله سبحانه غير معلّلة بالأغراض فليس من نفي الحكمة في شيء بل من قبيل التهيب والاحتراز من القول بأن هناك غرضا يحمل الله سبحانه على الفعل استحصالا لذلك الغرض الذي لا يحصل إلا بذلك الفعل. ولا يخفى أن هذا مما يجب الاحتراز منه لعدم ورود إطلاق مثل ذلك في الكتاب والسنة ولما في ذلك من الاستكمال بالغير. وأما قول محققي أهل الفقه بوجود حكم ، مصالح فيها ترجع إلى العباد سواء عقلناها أو لم نعقلها فليس فيه ما يوجب التهيب بل هو محض الصواب هذا عند القائلين بأن الله فاعل بالاختيار كما هو الحق وأما الذين يعدونه فاعلا بالإيجاب كالفلاسفة فلا يتصورون هناك لا غرضا ولا حكمة وليس المراد هنا بالوجوب الضرورة بشرط المحمول. ومن الغريب أن ابن القيم قائل بالإيجاب حتى تراه يدافع عن أن الحوادث لا أول لها ومع ذلك يرى أنها معللة بالأغراض وما هذا إلا تهاتر.