الذي سلطانه على المشاعر الظاهرة والباطنة على حدّ سواء ، ورأيه في تطوّر الأديان مثار جدل اليوم في الجامعة.
ولم يتحدث سماحة شيخ الإسلام إلا عن العلماء الذين تقاعسوا عن القيام بواجبهم ، ولا تكلّم عن المجلات والصحف عامة ، بل عن الصحف والمجلات المنحرفة عن الثقافة الإسلامية.
فإن كان كاتب المقال يجهل وجود انحراف عن الثقافة الإسلامية ، في صحف ومجلات تنشر هنا وهي بين يديه ، ويكتب في بعضها ، ـ وصلة منبر آرائه بإسماعيل أدهم (١) لا تزال ماثلة في الأذهان ـ فذلك لا يهمّنا ، وليس جهل ذلك بناع علينا ، وما الجري وراء الخرص والتظنّن والتشويه إلا شأن غيرنا.
وأما تقريظ كتاب معالي هيكل باشا مع نفيه المعجزات الكونية ، ومع ردّه الاحتجاج بالسنة ، فيجعل المؤلّف والمقرّظ في صفّ واحد ، وبيان حال المقرّظ في العدد (٤٢ ـ ١٣٦١ ه) ، على أن المعجزات كلّها قاهرة ، وقصر المعجزة القاهرة على القرآن الحكيم نفي لسائر المعجزات!
ومن الغريب أن صاحب المقال كلما تحدّث عن السّنّة يعطي الرادّين عليه حججا جديدة ، تدل على بعده الشاسع عن معرفة علوم الحديث ، وليس هو على علم من أنّ الخبر الذي تكثر رواته في كل طبقة ، بحيث تصل إلى حدّ التواتر ، لا يبقى للجرح والتعديل شأن في رجال أسانيده اتفاقا بين أهل العلم بالحديث ، وليس القول بأنّ هذا ضعيف منجبر ، أو حسن ، أو صحيح ، إلا بالنظر إلى سند خاص ورواية خاصة ، وأما الحديث الذي يرويه نحو ثلاثين صحابيا بطرق كثيرة تبلغ حدّ التواتر في كل طبقة ، فيعلو من أن تنال يد النقد طرقه واحدة واحدة ، بعد ثبوت التواتر بالنظر إلى مجموع الأسانيد والروايات.
فبهذا البيان يعلم أنّ هزء الشيخ في الكلام عن سبعين حديثا ـ أربعون منها صحاح وحسان ، والباقي منجبر (٢) ـ لا يجد موردا ، فيرتدّ إلى مصدره ، ومجاملة أهل الحق لا تنتظر ممن تعوّد مجاملة أهل الباطل.
__________________
(١) الملحد الزنديق ، وداعية الإلحاد في تأليف كتاب له خاص بالإلحاد. وانظر ترجمته في (الأعلام) للزركلي.
(٢) انظر في هذا كتاب إمام العصر محمد أنور شاه الكشميري ، واسمه : «التصريح بما تواتر في نزول المسيح» ، وهو مطبوع في الهند ولبنان ، وهو غاية الغايات في موضوعه.