وهذا المعنى منسجم مع باقي الآيات والأخبار فيكون نصا أيضا في رفعه حيا ، لأن احتمال المجاز لم ينشأ من دليل ، فيبقى قطعيّ الدلالة على الوجه الذي شرحناه ، ولو فرضنا اشتراك التوفّي بين الأخذ والإماتة والإنامة لكان لحقه البيان بقاطع من الآيات الأخر ، فيكون قطعيّ الدلالة على الرفع الحسيّ والأخذ من غير موت.
ولو فرضنا عدم لحوق بيان لا يتأتى حمله على الموت هنا ، لأن اسم الفاعل حقيقة في الحال ، ومجاز في الاستقبال عندهم ، فلو حملناه على الحقيقة يكون المعنى : إني مميتك الآن. فيكون قصد اليهود حاصلا ، وقد نصّ القرآن الكريم على أنّ قصدهم لم يحصل. ولو حملناه على الاستقبال مجازا لا يكون مستقبل أولى من مستقبل إلا بدليل ، فيتعيّن المستقبل الذي حدّده باقي الأدلة ، وهو ما بعد نزوله إلى الأرض.
«والواو» لا تفيد الترتيب ، فيكون هذا من باب تقديم ما هو مؤخّر في الوقوع ، لأجل التقريع على مدّعي ألوهيته ، ببيان أنه سيموت ، وإليه ذهب قتادة والفراء وعليه يحمل ما رواه عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، جمعا بين الأدلة.
على أنّ ابن أبي طلحة لم يدرك ابن عباس اتفاقا ، وقد قال فيه يعقوب بن سفيان : ضعيف الحديث منكره ، ليس محمود المذهب ، لا هو متروك ، ولا حجّة. فيكون مختلفا فيه ، وإن انتقى مسلم بعض حديثه.
ومعاوية بن صالح الحضرميّ الراوي عنه ، لم يكن يحيى بن سعيد القطان يرضاه ، وقد قال أبو حاتم : لا يحتجّ به ، وإن انتقى مسلم بعض حديثه.
وعبد الله بن صالح كاتب الليث الراوي عن الحضرمي ، كثير الغلط ، فلا يثبت بمثل هذا السّند هذا التفسير عن ابن عباس.
ووهب بن منبّه هو الذي يقول بموته ، ثم رفعه ، ثم إحيائه في السماء ، لكنه كثير الرواية عن كتب أهل الكتاب ، فلا يعوّل على ما لا يرويه عن المعصوم عند أهل العلم.
وقد صرّح محمد بن إسحاق بأنّ القول بموته قول النصارى ، وليس بين قول من قال : أنامه ثم رفعه ، وقول من قال : قبضه من الأرض ورفعه حيّا إلى السماء ، كبير فرق ، فيكون قول ابن حزم في «المحلّى» بموته ، ثم رفعه ، ثم إحيائه ونزوله ، مما لا تعضده رواية ولا دراية بل تكرير إيقاع الموت عليه مما ينافيه النصّ.