وفي «العتبيّة» عزو وفاته ثم نزوله إلى مالك ، ولعلّ ابن حزم انخدع بذلك. وقد سبق أن شرحنا حال «العتبيّة» في العدد (٣٤) ١٣٦١ ه ، وليس في ذلك القول كبير خطورة غير ضعف مدرك الوفاة ، حيث كان مع الجماعة في الإيمان بالنزول ، كما صرّح بذلك في «الفصل» و «المحلّى».
وقال الآلوسيّ : والصحيح كما قال القرطبي : أنّ الله تعالى رفعه من غير وفاة ولا نوم ، وهو اختيار الطبري ، والرواية الصحيحة عن ابن عباس اه.
وقال ابن جرير بعد نقله روايات تفسير التوفّي بالنوم أو القبض أو الموت : «وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال معنى ذلك : أني قابضك من الأرض ، ورافعك إليّ ، لتواتر الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : ينزل عيسى ابن مريم» ، ثم ساق أحاديث في النزول ، ثم ردّ ردا مشبعا على من زعم تكرّر الإحياء والإماتة بالنسبة إلى عيسى عليهالسلام.
وليس في قوله «وأولى الأقوال بالصحة» ما يحتجّ به على أن تلك الأقوال مشتركة في أصل الصحة ، كيف وقد ذكر بينها ما هو معزوّ إلى النصارى ، ولا يتصوّر أن يصحّ ذلك في نظره ، بل كلامه هذا من قبيل ما يقال : «فلان أذكى من حمار ، وأفقه من جدار» ، كما يظهر من عادة ابن جرير في تفسيره عند نقله لروايات مختلفة ، كائنة ما كانت قيمتها العلمية ، وقد يكون بينها ما هو باطل حتما ، فلا يكون لصاحب المقال إمكان التمسك بمثل تلك العبارة في تقوية الروايات المردودة.
وأما قوله تعالى : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) [المائدة : ١١٧] فبمعنى قبضتني بالرفع إلى السماء ، كما يقال : توفّيت المال إذا قبضته ، وروي هذا عن الحسن وعليه الجمهور ، وروي عن أبي عليّ الجبّائيّ المعتزليّ ـ وهو من أجرأهم في الشذوذ ـ أنّ المعنى (أمتّني) ، وادّعى أنّ رفعه عليهالسلام إلى السماء كان بعد موته ، وإليه ذهب النصارى كما قال الآلوسيّ ، وقال القرطبي : «قيل : هذا يدل على أنّ الله عزوجل توفّاه قبل أن يرفعه ، وليس بشيء ، لأنّ الأخبار تظاهرت برفعه ، وأنه في السماء حيّ» اه.
وقد سبق بيان حقيقة التوفّي بحيث لا يدع أدنى ريبة. وما يقال من أنّ المتبادر من التوفّي هو الموت ، فيمكن أن يسلّم ذلك بالنظر إلى اليوم ، لكن تطوّر اللغة في زمن متأخّر إلى معنى ، لا يستلزم أن يكون هذا المعنى مفهوما من اللفظ في تخاطب الصحابة رضي الله عنهم وقت نزول القرآن الحكيم ، ولو كان هذا المعنى مفهوما من لفظ التوفّي إذ ذاك ، لكان (حِينَ مَوْتِها) [الزّمر : ٤٢] لغوا في قوله تعالى : (اللهُ)