لله أن تفهم هذا ، وأنت بالقرآن عالم. واعلم أن الأمر لو كان كما كتبت به إلينا أن الناس كانوا أهل تصديق قبل الفرائض ثم جاءت الفرائض ، لكان ينبغي لأهل التصديق أن يستحقوا (اسم) التصديق بالعمل حين كلفوا به ، ولم تفسر لي ما هم وما دينهم وما مستقرهم عندك (قبل ذلك)؟ إذا هم لم يستحقوا الاسم إلا بالعمل حين كلفوا فإن زعمت أنهم مؤمنون تجري عليهم أحكام المسلمين وحرمتهم صدقت. وكان صوابا. لما كتبت به إليك. وإن زعمت أنهم كفار فقد ابتدعت وخالفت النبي والقرآن. وإن قلت بقول من تعنت من أهل البدع وزعمت أنه ليس بكافر ولا مؤمن فاعلم أن هذا القول بدعة وخلاف للنبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه. وقد سمي علي رضي الله عنه أمير المؤمنين وعمر رضي الله عنه أمير المؤمنين. أو أمير المطيعين في الفرائض كلها يعنون؟ وقد سمي علي أهل حربه من أهل الشام مؤمنين في كتاب القضية. أو كانوا مهتدين وهو يقتلهم؟ وقد اقتتل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولم تكن الفئتان مهتديتين جميعا ، فما اسم الباغية عندك؟ فو الله ما أعلم من ذنوب أهل القبلة ذنبا أعظم من القتل ثم دماء أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام خاصة. فما اسم الفريقين عندك؟ وليسا مهتديين جميعا فإن زعمت أنهما مهتديان جميعا ابتدعت. وإن زعمت أنهما ضالان جميعا ابتدعت وإن قلت أن أحدهما مهتد فما الآخر؟ فإن قلت الله أعلم أصبت. تفهم هذا الذي كتبت به إليك.
واعلم أني أقول : أهل القبلة مؤمنون لست أخرجهم من الإيمان بتضييع شيء من الفرائض. فمن أطاع الله تعالى في الفرائض كلها مع الإيمان كان من أهل الجنة عندنا ، ومن ترك الإيمان والعمل كان كافرا من أهل النار ، ومن أصاب الإيمان وضيّع شيئا من الفرائض كان مؤمنا مذنبا ، وكان لله تعالى فيه المشيئة إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له ، فإن عذّبه على تضييعه شيئا فعلى ذنب يعذبه ، وإن غفر له فذنبا يغفر. وإني أقول فيما مضى من اختلاف أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما كان بينهم ، الله أعلم. ولا أظن هذا إلا رأيك في أهل القبلة لأنه أمر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمر (حملة) السنة والفقه. زعم (١) أخوك عطاء بن أبي رباح ونحن نصف له هذا : أن هذا أمر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وزعم أخوك نافع هذا وأنه فارق (ابن عمر) على هذا. وزعم سالم عن سعيد بن جبير ، هذا أمر أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم. وزعم أخوك نافع أن هذا أمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وزعم ذلك أيضا عبد الكريم عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن هذا أمره.
وقد بلغني عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه حين كتب القضية أنه يسمي
__________________
(١) والزعم هنا بمعنى القول الحق بقرينة المقام. وهو من الأضداد فيعين المقام المراد. فكل هؤلاء لا يرون نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة (ز).