الحقيقة التي يتصورها المؤمن والكافر ، يستكشف أنّ الفاعل الحقيقي للإيمان والكفر ، هو الله سبحانه. إذ لو كان الفاعل هو شخص المؤمن والكافر ، وجب أن يتحقّق الإيمان والكفر على النحو الذي يريدانه ، لا على الحقيقة التي هما عليها من الأوصاف والخصوصيات.
يلاحظ عليه :
أوّلاً : أنّ توصيف الإيمان بالإتعاب والإيلام ، والكفر على خلافه ، إنّما يصحّ إذا قيسا إلى الإنسان الذي تتحكم به القوى الحيوانية ، فلا شكّ أنّ الإيمان يجعل الإنسان محدوداً مكبوحاً جماحه أمام الشهوات واللذات ؛ والكفر يجعل الإنسان حرّاً غير محدود في حياته ، فيكون الأوّل مؤلماً متعباً ، والثاني ملذاً وموافقاً للطبع.
ولكن إذا قيسا إلى الفطرة الإنسانية العلوية التي خمرت بالإيمان والتوحيد ، فالأمر على العكس. فالإيمان نور وضياء للروح ، والكفر سواد وظلمة لها. ويشهد على ذلك ما ورد في الكتاب العزيز حول الإيمان والكفر والفطرة الإنسانية ، ولا نطيل الكلام بذكرها ، ويكفي في ذلك قوله سبحانه : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللّهِ الّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللّه ذلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ) (١)
ثانياً : لو صحّ هذا الدليل لوجب القول بأنّ شارب الماء بتخيل أنّه خمر لم يشرب شيئاً ولم يصدر منه عمل ولا فعل ، لأنّه قصد شربه بعنوان أنّه خمر وكان الواقع في الحقيقة شرب الماء ، فما وقع لم يقصد ، وما قصد لم يقع.
ثالثاً : أنّ ما ذكره خلط بين الصفات الواقعية الحقيقية والصفات الانتزاعية ، فالأُولى : كالبياض والسواد ، والحرارة والبرودة ، تحتاج إلى محدث كما يحتاج الموصوف بها إليه كذلك ، والثانية : كالصغر والكبر المنتزعين من مقايسة شيء إلى شيء ، لا تحتاج إليه ، لأن ّ هذه الأوصاف من مصنوعات الذهن ومخترعاته. فالموجد يوجد نفس الجسم الكبير لا وصفه ، كما أنّه يوجد
ــــــــــــــــــ
١ ـ الروم : ٣٠.