ذات الصغير لا وصفه ، وإنّما الذهن يقوم بعمل الانتزاع عند المقايسة.
فالجسم الذي هو بقدر ذراع ، أكبر من الجسم الذي على نصفه ، والثاني أصغر منه. فالذي أوجده الفاعل إنّما هو ذات الجسمين لا وصفهما ، فالموجد للجسم الكبير لا يقوم بعملين : إيجاد الجسم وإيجاد وصف الكبر فيه ، وهكذا في الجسم الصغير ، وإنّما ينتقل الإنسان إلى ذينك الوصفين عند المقارنة ، ولولاها لم يتبادر إلى الذهن أي من الوصفين.
وعلى ذلك فالموجد للإيمان إنّما يوجد ذات الإيمان ، وهكذا الموجد للكفر يوجد ذات الكفر. وأمّا كون الأوّل مؤلماً متعباً ، والثاني قبيحاً مخالفاً للواقع الحقّ الذي يضاد الكفر ، فلا يحتاج إلى فاعل وعلة أبداً.
وإن شئت قلت : إنّ الذي يوجد الإيمان لا يوجد إلاّ شيئاً واحداً ، وهو ذاته لا شيئين : أحدهما ذاته والآخر وصفه. وهكذا الكفر لا يقوم الموجد له بعملين. وهذا أمر واضح لمن له إلمام بالقضايا الاعتبارية والانتزاعية. وعندئذلا يصح قوله : « إنّ الإيمان في نظر المؤمن حلو مع أنّه في الواقع مر والكفر في نظر الكافر صواب حسن ، مع أنّه في الواقع باطل قبيح ، فلا يصحّ عد المؤمن والكافر خالقين لهما ، لكونهما في نظريهما على غير الوجه الذي هما عليه حسب الواقع ».
والعجب أنّ الأشعري المنكر للحسن والقبح اعترف هنا بقبح الكفر وحسن الإيمان ، مع أنّه ليس في منهجه أثر من الحسن والقبح العقليّين ، بالكل عنده شرعيّان.
الدليل الثاني
إنّ الدليل على خلق الله تعالى حركة الاضطرار ، قائم في خلق حركة الاكتساب ، وذلك أنّ حركة الاضطرار إن كان الذي يدلّ على أنّ الله خلقها ، حدوثها ، فكذلك القصة في حركة الاكتساب ، وإن كان الذي يدلّ على خلقها ، حاجتها إلى مكان وزمان ، فكذلك قصة حركة الاكتساب ، فلماّ كان كلّ دليل يستدل به على حركة الاضطرار مخلوقة لله تعالى ، يجب به القضاء على