هذه النصوص وأمثالها ، إذا نظر العبد إليها لا يسعه إلاّ أن يرد الأُمور كلّها إلى الله معتقداً أنّه الواحد الأحد ، لا شريك له في ملكه ولا في ناحية من ملكه ، وهي أفعال التكليف من عباده ، وكأنّ نسبة الأفعال إلى العباد هي الأُخرى محض فضل من الله ، على حدّ ما قال ابن عطاء الله : من فضله وكرمه عليك ، أن خلق العمل ونسبه إليك.
ويظاهر هذه الأدلّة النقلية أدلّة أُخرى عقلية ، ناطقة بوحدانية الله في كلّ شيء وبأنّ العبد لا يعقل أن يكون خالقاً لما اختاره من أفعاله ، لأنّه لو كان خالقاً لها لكان عالماً بتفاصيلها ، ولكنّه يشعر من نفسه بأنّه تصدر عنه أشياء كثيرة جداً من عمله الاختياري دون أن يعرف تفاصيلها ، كخطوات المشي وحركات المضغ في الأكل ونحوها. وإذاً فليس العبد هو الخالق لها « أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ »؟
بجانب هذا توجد نصوص كثيرة أيضاً من الكتاب والسنّة ، تنسب أعمال العباد إليهم ، وتعلن رضوان الله وحبه للمحسنين فيها ، كما تعلن غضبه وبغضه للمسيئين منهم من ذلك قوله سبحانه :
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها* إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها* أَمْ حَسِبَ الَّذينَ يَعْمَلُونَ السَّيئاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا* أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواء مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ* إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنْكُُمْ وَلا يَرضَى لِعِبادِهِ الكُفْرِ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرضَهُ لَكُمْ* وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لي عَمَلي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَريئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَريءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ* قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْأَلُ عَمّا تَعْمَلُون*قُلْ يا قَومِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنّي عامِلٌ فَسَوفَ تَعَلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّار إِنّه لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ *وَمَاكانَ رَبُّكَ لِيُهِلكَ القُرى بِظُلْم وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ *وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِم الغَيْبِ والشَّهادَةِ فَيُنَّبِئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *وَتِلْكَ الجَنّة الّتي أُورِثْتُمُوها بِماكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
وكذلك نقرأ في السنة النبوية : « اعملوا فكلُّ مُيَسَّر لما خلق له. بادروا