بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، يا عباس بن عبد المطلب ، اعمل لا أُغني عنك من الله شيئاً ، يا فاطمة بنت محمد ، اعملي لا أغني عنك من الله شيئاً ، إلى غير ذلك.
وهذه نصوص إذا نظر العبد إليها لا يسعه إلاّ أن يرد أعمال العباد الاختيارية إليهم ، معتقداً أنّهم لا يستحقّون ثوابها إن أحسنوا ، وعقابها إن أساءوا. ويظاهر هذه الأدلّة النقليّة أدلّة عقليّة أيضاً شاهدة بعدالة الله وحكمته ، لأنّ العبد لو لم يكن موجداً لما اختار من أعماله ، لما كان ثمة وجه لاستحقاقه المثوبة أو العقوبة. وكيف يثاب أو يعاقب على ما ليس له ولم يصدر منه.
غيري جنى وأنا المعذّب فيكم |
|
فكأنّني سبابة المتندم |
أهل السنة بهرتهم النصوص الأُولى والأدلّة العقلية التي بجانبها ، فرجّحوها وقالوا :
إنّ العبد لا يخلق أفعال نفسه الاختيارية ، إنّما هي خلق الله وحده. وإذا قيل لهم : كيف يثاب المرء أو يعاقب على عمل لم يوجده هو؟ وكيف يتفق هذا وما هو مقرر من عدالة الله وحكمته في تكليف خلقه؟ قالوا : إنّ العباد ـ وان لم يكونوا خالقين لأعمالهم ـ كاسبون لها. وهذا الكسب هو مناط التكليف ومدار الثواب والعقاب. وبه يتحقق عدل الله وحكمته فيما شرع للمكلّفين.
وهكذا حملوا النصوص الأُولى على الخلق ، وحملوا الثانية على الكسب ، جمعاً بين الأدلّة. ثمّ إذا قيل لهم : ما هذا الكسب؟ اختلف الأشعري والماتريدي في تحديده ، أهو مقارنة القدرة القديمة للحادثة أم هو العزم المصمّم؟ولكلّ وجهة نظر ، يطول شرحها وتوجيهها.
أمّا المعتزلة فقد بهرتهم النصوص الثانية وما يظاهرها من برهان العقل ، فرجّحوها وقالوا :
إنّ العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية. وإذا قيل لهم : أليس الله خالق كلّ شيء ومنها أعمال العبد؟ قالوا : بلى إنّه خالق كلّ شيء حتى أعمال عباده