القدرة ، وإن كان عاجزاً في المائة سنة كلّها ، بقدرة عدمت من مائة سنة ، وهذا فاسد ، وأيضاً لو جاز حدوث الفعل مع عدم القدرة ، ووقع الفعل بقدرة معدومة ، لجاز وقوع الإحراق بحرارة نار معدومة ، وقد قلب الله النار برداً والقطع بحدّ سيف معدوم ، وقد قلب الله السيف قصباً ، والقطع (١) بجارحة معدومة وذلك معدوم ، فإذا استحال ذلك وجب أنّ الفعل يحدث مع الاستطاعة في حال حدوثها.
فإن قالوا : ولم زعمتم أنّ القدرة لا تبقى؟
قيل لهم : لأنّها لو بقيت لكانت لا تخلو أن تبقى لنفسها أو لبقاء تقوم به ، فإن كانت تبقى لنفسها وجب أن تكون نفسها بقاءً لها وأن لا توجد إلاّ باقية ، وفي هذا ما يوجب أن تكون باقية في حال حدوثها ، وإن كانت تبقى ببقاء يقوم بها والبقاء صفة ، فقد قامت الصفة بالصفة ، وذلك فاسد. ولو جاز أن تقوم الصفة بالصفة لجاز أن تقوم بالقدرة قدرة ، وبالحياة حياة ، وبالعلم علم ، وذلك فاسد. (٢)
أقول : إنّ الشيخ الأشعري قد تبنّى في العبارة المذكورة أُموراً ثلاثة : الأوّل والثاني منها ضروريان ، والثالث أمر نظري ، لم يأت عليه بدليل مقنع ، بل أجمل الكلام فيه إلى حد التعقيد.
أمّا الأوّل : فلأنّ كون الاستطاعة مثل العلم غير الإنسان نفسه أمر بديهي لا يحتاج إلى البرهنة ، لأنّ كلّ إنسان يحس من بداية حياته أنّه تتجدد له القدرة والاستطاعة كسائر الكمالات النفسانية ، وأنّه ليس من أوّل يوم قادراً مستطيعاً على التكلم والمشي ، والكتابة والقراءة ، فلا يحتاج مثل هذاالأمر إلى التطويل.
وأمّا الثاني : فإنّ الإنسان لا يقدر على الفعل بقدرة واستطاعة معدومة ، وهذا أيضاً أمر بديهي مرجعه إلى أنّ الممكن « ذاتاً كان أو فعلاً » لا يتحقق إلاّبعلة موجدة له ، من غير فرق بين القول بأنّ حاجة الممكن إلى العلّة أمر بديهي
ــــــــــــــــــ
١ ـ قال المعلّق على الكتاب : ولعلّ الأولى أن يقول : البطش.
٢ ـ اللمع : ٩٣ ـ ٩٤.