فطري ، كما هو الحقّ ، أو هو أمر تجريبي ، كما عليه بعض المناهج الفلسفية.
وإنّما المهم في كلامه هو الأمر الثالث ، وهو لزوم مقارنة الاستطاعة مع الفعل واستحالة تقدّمها عليه ، وإليك توضيح برهانه.
إنّ القدرة المتقدّمة على الفعل لا تخلو عن حالات ثلاث :
١ ـ أن تكون القدرة المتقدمة عليه منعدمة عند حدوث الفعل ، فيلزم عندئذ حدوث الفعل بلا قدرة ، وهو محال.
٢ ـ أن تكون القدرة المتقدمة باقية ، وكان البقاء نفسها ، فيلزم عندئذ محذوران :
أ. بما أنّ البقاء نفس القدرة وذاتها ، يلزم امتناع تطرق العدم إليها وهو خلف ، وإليه يشير بقوله : « وأن لا توجد إلاّ باقية ».
ب. بما أنّ البقاء نفسها وذاتها ، وقد افترضنا أيضاً حدوثها يلزم أن تتصف بالبقاء في الوقت الذي تتصف بالحدوث ، وهو نظير اجتماع الضدين.
٣ ـ أن لا يكون البقاء نفسها ، بل تبقى ببقاء يعرض لها ، وبما أنّ البقاء صفة يلزم قيام الصفة بالصفة ، ولو جاز لجاز أن تقوم القدرة بالقدرة والعلم بالعلم.
أقول : إنّ القائل بالتقدّم يقول بالشقّ الثالث ، بتوضيح أنّ البقاء ليس نفس القدرة ولا ذاتها (١). بل هو أمر منتزع من استمرار وجود الشيء في الآنين والآنات وليس البقاء أمراً مغايراًلوجود القدرة بحيث يكون في القدرة ـ إذا بقيت بعد الحدوث ـ أمران :
أحدهما : أصل القدرة ، والآخر بقاؤها ، وإنّما الموجود في الخارج شيء واحد وهو القدرة ، وينتزع منه باعتبارين أمران : الحدوث والبقاء.
وإن شئت قلت : أصل القدرة ومفهومها الحدوث والبقاء وإن كانت
ــــــــــــــــــ
١ ـ المراد من الذاتي هنا ذاتي باب الإيساغوجي ، أي أن يكون البقاء جنساً أو فصلاً للقدرة ، لوضوح أنّ ما يفهم من القدرةوالاستطاعة غير ما يفهم من البقاء والدوام.