عن الفعل فهي متقارنة مع الفعل ، غير متعلّقة إلاّ بمقدور واحد. والأشاعرة لما اختارت تبعاً لمؤسس المنهج كون القدرة مع الفعل ، نفت صلاحية تعلّقها بمقدورين ، فضلاً عن الضدّين ، وبما أنّك عرفت أنّ النزاع في المسألة السابقة أشبه باللفظي ، يكون النزاع هنا أيضاً مثله.
قال الإمام الرازي : قد تطلق القدرة على القوة العضلية ، التي هي مبدأ الآثار المختلفة في الحيوان ، بحيث لو انضم إليها إرادة كلّ واحد من الضدّين حصل دون الآخر ، ولا شكّ أنّ نسبتها إلى الضدّين على السواء. وقد تطلق على القوة المستجمعة لشرائط التأثير ، ولا شكّ في امتناع تعلّقها بالضدّين ، وإلاّ اجتمعا في الوجود ، بل هي بالنسبة إلى كلّ مقدور ، غيرها بالنسبة إلى مقدور آخر ، لاختلاف الظروف بحسب كلّ مقدور. فلعلّ الأشعري أراد بالقدرة ، المعنى الثاني ، فحكم بأنّها لا تتعلّق بالضدّين ، ولا هي قبل الفعل ، والمعتزلة أرادت بها المعنى الأوّل ، فذهبوا إلى أنّها تتعلّق بالضدّين وأنّها قبل الفعل. (١)
ثمّ إنّ أبا الحسن الأشعري لماّ اختار لزوم مقارنة القدرة مع الفعل وامتناع تقدّمها عليه ، وقع في تكليف الكفّار بالإيمان في زمان كفرهم في حيرة ، كما قام بتأويل كثير من الآيات الصريحة في تقدّم القدرة على الفعل ، وإليك نماذج منها :
١ ـ إنّ الكفّار مكلّفون بالإيمان كما هو صريح الكتاب ، فلو كانت القدرة موجودة مع الفعل لكان تكليفهم بالإيمان في حال الكفر تكليفاً بالمحال ، وهذا من النقوض الواضحة التي سعى الشيخ الأشعري وتلاميذ منهجه في حلّها ولم يأتوا بشيء مقنع.
٢ ـ قال سبحانه : (أَيّاماً مَعْدُودات فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَو عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام أُخَرَ وَعَلى الَّذِينَ يُطيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكين). (٢)
اتّفق مشاهير المفسرين على أنّ الضمير في « يطيقونه » يرجع إلى الصيام ،
ــــــــــــــــــ
١ ـ شرح المواقف : ٦/١٥٤.
٢ ـ البقرة : ١٨٤.