إنّ الآيات الكريمة صريحة في أنّ عمل الإنسان وتماديه في الغي ينتهي إلى صيرورة الإنسان أعمى وأصم وأبكم ، قال سبحانه : (فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ الله قُلُوبَهُمْ). (١)
وقال سبحانه : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاّ الفاسِقينَ). (٢)
وعلى ذلك فالآية التي استدلّ بها الشيخ ، نظير قوله سبحانه : (خَتَمَ الله عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِم وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ) (٣) وقوله سبحانه : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوّل مَرَّة). (٤)
ولكن كل ذلك في نهاية حياتهم بعد تماديهم في الغي.وأمّا في ابتداء حياتهم فقد أعطى للجميع قدرة الإبصار والاستماع والتفكّر والتعقّل. قال سبحانه : (وَاللّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (٥) ولكن الإنسان ربما يبلغ به الغي إلى درجة ينادي فيها ويقول : (لَوْ كُنّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنّا في أَصْحابِ السَّ عيرِ*فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصحابِ السَّعيرِ). (٦)
وباختصار ، الآية تحكي عن عدم استطاعتهم السمع ، ولكن السبب في حصول هذه الحالة لهم ، هو أنفسهم باختيارهم ، وهذا لا ينافي وجود الاستطاعة قبل التمادي في الغي ، وما يتوقّف عليه التكليف هو القدرة الموجودة قبل سلبها عن أنفسهم.
ومن القواعد المسلّمة في علم الكلام قولهم : « الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ».
ــــــــــــــــــ
١ ـ الصف : ٥.
٢ ـ البقرة : ٢٦.
٣ ـ البقرة : ٧.
٤ ـ الأنعام : ١١٠.
٥ ـ النحل : ٧٨.
٦ ـ الملك : ١٠ ـ ١١.