إلى هنا تعرفت على مفاد الآية ، ووقفت على أنّها لا تمت إلى ما يدّعيه الشيخ بصلة ، وهلم معي ندرس الآيات الباقية :
وأمّا الآية الثانية ، أعني قوله سبحانه : (أَنْبِئُوني بِأَسماءِ هؤلاءِ) فليس الأمر فيها للتكليف والبعث نحو المأمور به ، بل للتعجيز ، مثل قوله سبحانه : (وَإِنْ كُنْتُمْ في رَيْب مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ ) (١)
إنّ لصيغة الأمر معنى واحداً وهو إنشاء الطلب ، لكن الغايات من الإنشاء تختلف حسب اختلاف المقامات ، فتارة تكون الغاية من الإنشاء ، هي بعث المكلف نحو الفعل جداً ، وهذا هو الأمر الحقيقي الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه ، ويشترط فيه القدرة الاستطاعة ، وأُخرى تكون الغاية أُموراً غيره ، وعند ذلك لا ينتزع منه التكليف الجدي ، وذلك كالتعجيز في الآية السابقة ، وكالتسخير في قوله سبحانه : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئينَ ) (٢) والإهانة ، مثل قوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزيزُ الكَريمُ ) (٣) ، أو التمنّي ، مثل قول امرئ القيس في معلّقته :
ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي |
|
بصبح وما الإصباح منك بأمثل |
إلى غير ذلك من الغايات والحوافز التي تدعو المتكلّم إلى التعبير عن مقاصده بصيغة الأمر ، وذلك واضح لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وأمّا الآية الثالثة فليست الدعوة إلى السجود فيها عن جد وإرادة حقيقية ، بل الغاية من الدعوة إيجاده الحسرة في المشركين التاركين للسجود حال استطاعتهم في الدنيا. والآية تريد أن تبين أنّهم في أوقات السلامة رفضوا الإطاعة والامتثال ، وعند العجز ـ بعد ما كشف الغطاء عن أعينهم ورأوا العذاب ـ همّوا بالسجود ، ولكن أنّى لهم ذلك ، وإليك تفسير جمل الآية.
ــــــــــــــــــ
١ ـ البقرة : ٢٣.
٢ ـ البقرة : ٦٥.
٣ ـ الدخان : ٤٩.