إليه صنعته ، ثمّ تنطق نفسه في حال الفعل محادثة مع الآلات والأدوات والمواد والعناصر ، ومن أنكر أمثال هذه المعاني فقد جحد الضرورة ، وباهَتَ العقل ، وأنكر الأوائل التي في ذهن الإنسان ، وسبيله سبيل السوفسطائية ، كيف وإنكاره ذلك ممّا لم يدر في قلبه ولا جال في ذهنه ، ثمّ لم يعبّر عنه بالإنكار ولا أشار إليه بالإقرار ، فوجد أنّ المعنى معلوم بالضرورة وإنّما الشكّ في أنّه هو العلم بنفسه أو الإرادة والتقدير والتفكير والتصوير والتدبير ، والتمييز بينه وبين العلم هين ، إذ العلم تبين محض تابع للمعلوم على ما هو به ، وليس فيه إخبار ولا اقتضاء وطلب ، ولا استفهام ولا دعاء ولا نداء ، وهي أقسام معلومة وقضايا معقولةوراء التبيين ، والتمييز بينه وبين الإرادة أسهل وأهون ، فإنّ الإرادة قصد إلى تخصيص الفعل ببعض الجائزات ( الممكنات ) ولا قصد في هذه القضايا ولا تخصيص ، وأمّا التقدير والتفكير والتدبير فكلّ ذلك عبارات عن حديث النفس ، وهو الذي يعنى به من النطق النفساني ، ومن العجب أنّ الإنسان يجوز أن يخلو ذهنه عن كلّ معنى ولا يجد نفسه قط خالياًعن حديث النفس حتى في النوم فإنّه في الحقيقة يرى في منامه أشياء وتحدّث نفسه بالأشياء ولربما يطاوعه لسانه وهو في منامه حتّى يتكلّم وينطق متابعة لنفسه فيما يحدث وينطق. (١)
نرى أنّ ما ذكره الآمدي الذي نقلناه آنفاً في تفسير الكلام النفسي وارد في كلمات المتأخرين عنه ، كالفاضل القوشجي والفضل بن روزبهان ، وإليك نصوصهما :
١ ـ قال الفاضل القوشجي في شرح التجريد : إنّ من يورد صيغة أمر أو نهي أو نداء أو إخبار أو استخبار أو غير ذلك ، يجد في نفسه معاني يعبر عنها ، نسمّيها بالكلام الحسي ، والمعنى الذي يجده ويدور في خلده ولا يختلف باختلاف العبارات بحسب الأوضاع والاصطلاحات ويقصد المتكلّم حصوله في نفس السامع على موجبه ، هو الذي نسمّيه الكلام. (٢)
ــــــــــــــــــ
١ ـ نهاية الإقدام : ٣٢١ ـ ٣٢٢.
٢ ـ شرح التجريد للقوشجي : ٤٢٠.