وزان واحد ، وهو تعلّق إرادته ببعث المأمور وزجره ، لا فعل المأمور ولا انزجاره ، فإنّه غاية للآمر لا مراد له ، فالقائل خلط بين متعلّق الإرادة ، وما هو غاية الأمر والنهي.
وباختصار : إنّ فعل الغير لمّا كان خارجاً عن اختيار الآمر لا تتعلّق به الإرادة.
وربما يبدو في الذهن أن يعترض على ما ذكرنا بأنّ الآمر إذا كان إنساناً لا تتعلّق إرادته بفعل الغير لخروجه عن اختياره ، وأمّا الواجب سبحانه فهو آمر قاهر ، وإرادته نافذة في كلّ شيء : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمواتِوَالأَرْض إِلاّ آتي الرَّحْمن عَبْداً). (١)
ولكن الإجابة عن هذا الاعتراض واضحة ، فإنّ المقصود من الإرادة هنا هو الإرادة التشريعية ، وأمّا الإرادة التكوينية القاهرة على العباد المخرجة لهم عن وصف الاختيار ، الجاعلة لهم كآلة بلا إرادة ، فهي خارجة عن مورد البحث ، قال سبحانه : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَميعا ) (٢) فهذه الآية تعرب عن عدم تعلّق مشيئته سبحانه بإيمان من في الأرض ، ولكن من جانب آخر تعلّقت مشيئته بإيمان كلّ مكلّف واع ، قال سبحانه : (وَاللّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبيلَ ) (٣) فقوله« الحق » عام ، كما أنّ هدايته السبيل عامة مثله لكلّ الناس. وقال سبحانه : (يُريدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مَنْ قَبْلِكُمْ) (٤) ، إلى غير ذلك منالآيات الناصة على عموم هدايته التشريعية.
الثالث : إنّ العصاة والكفّار مكلّفون بما كلّف به أهل الطاعة والإيمان بنصّ القرآن الكريم ، والتكليف عليهم لا يكون ناشئاً من إرادة الله سبحانه
ــــــــــــــــــ
١ ـ مريم : ٩٣.
٢ ـ يونس : ٩٩.
٣ ـ الأحزاب : ٤.
٤ ـ النساء : ٢٦.