وإلاّ لزم تفكيك إرادته عن مراده ، ولابدّ أن يكون هناك منشأ آخر للتكليف وهو الذي نسمّيه بالكلام النفسي تارة ، وبالطلب أُخرى. فيستنتج من ذلك أنّه يوجد في الإنشاء شيء غير الإرادة.
وقد أجابت عنه المعتزلة بأنّ إرادته سبحانه لو تعلّقت بفعل نفسه فلا تنفك عن المراد ، وأمّا إذا تعلّقت بفعل الغير فبما أنّها تعلّقت بالفعل الاختياري الصادر من العبد عن حرية واختيار ، فلا محالة يكون الفعل مسبوقاً باختيار العبد ، فإن أراد واختار العبد يتحقّق الفعل ، وإن لم يرد فلا يتحقّق.
والأولى في الجواب أن يقول : إنّ المستدل خلط بين الإرادة التكوينية المتعلّقة بالإيجاد مباشرة أو تسبيباً ، فإنّ إرادته في ذلك المجال لا تنفك عن المراد ، قال سبحانه ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). (١) ، وبين الإرادة التشريعية المتجلّية بصورة التقنين في القرآن والحديث فإنّها تتعلّق بنفس إنشائه وبعثه ، وجعله الداعي للانبعاث والانزجار ، والمراد فيها ( الإنشاء والبعث ) غير متخلّف عن الإرادة ، وأمّا فعل الغير ، أي انبعاث العبد وانتهاؤه فهو من غايات الإرادة التقنينية لا من متعلّقاتها ، فتخلّفهما عن الإرادة التقنينية لا يكون نقضاً للقاعدة ، أي امتناع تخلف مراده سبحانه عن إرادته ، لما عرفت من أنّ فعل الغير ليس متعلّقاً لإرادته في ذلك المجال.
الرابع : ما ذكره « الفضل بن روزبهان » من أنّ كلّ عاقل يعلم أنّ المتكلّم من قامت به صفة التكلّم ، ولو كان معنى كونه سبحانه متكلّماً هو خلقه الكلام فلا يقال لخالق الكلام متكلّم ، كما لا يقال لخالق الذوق إنّه ذائق. (٢)
يلاحظ عليه : أنّ قيام المبدأ بالفاعل ليس قسماً واحداً وهو القسم الحلولي ، بل له أقسام ، فإنّ القيام منه ما هو صدوري كالقتل والضرب في القاتل والضارب ، ومنه حلولي كالعلم والقدرة في العالم والقادر ، والتكلّم
ــــــــــــــــــ
١ ـ يس : ٨٢.
٢ ـ دلائل الصدق : ١/١٤٧ ، طبعة النجف الأشرف.