٣ ـ المسح على الرجلين
استرسل الرازي في الكلام على وجوب المسح على الأرجل على وجه ، كأنّ المسح هو خيرته ، وإليك كلامه : « اختلف الناس في مسح الرجلين وفي غسلهما ، فنقل القفال في تفسيره عن ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي الباقر : أنّ الواجب فيهما المسح ، وهو مذهب الإمامية من الشيعة. وقال جمهور الفقهاء والمفسرين : فرضهما الغسل. وقال ابن داود الإصفهاني : يجب الجمع بينهما ، وهو قول الناصر للحق من أئمّة الزيدية. وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري : المكلّف مخيّر بين المسح والغسل ».
حجة من قال بوجوب المسح مبني على القراءتين المشهورتين في قوله : وأَرجلكم فقرأ ابن كثير وحمزة وابو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر عنه بالجر. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه بالنصب.
فنقول : أمّا القراءة بالجر ، فهي تقضي كون الأرجل معطوفة على الرؤوس ، فكما وجب المسح في الرأس فكذلك في الأرجل. فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال هذا كسر على الجوار كما في قوله : « جحر ضب خرب » وقوله : « كبير أناس في بجاد مزمل »؟ قلنا : هذا باطل من وجوه :
الأوّل : إنّ الكسر على الجوار معدود في اللحن الذي قد يحتمل لأجل الضرورة في الشعر ، وكلام الله يجب تنزيهه عنه.
وثانيها : إنّ الكسر إنّما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله : « جحر ضب خرب » فإنّ من المعلوم بالضرورة أنّ الخرب لا يكون نعتاً للضب بل للجحر. وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل.
وثالثها : إنّ الكسر بالجوار إنّما يكون بدون حرف العطف وأمّا مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب.
وأمّا القراءة بالنصب فقالوا إنّها أيضاً توجب المسح ، وذلك لأنّ قوله وامسحوا برؤوسكم فرؤوسكم في محل النصب ولكنّها مجرورة بالباء ، فإذا عطفت الأرجل على الرؤوس ، جاز في الأرجل النصب عطفاً على محل الرؤوس