أشعري لا ماتريدي
الماتريدية منهج كلامي أسسه محمد بن محمد بن محمود المعروف بأبي منصور الماتريدي ، و« ماتريد » محلة بسمرقند في ماوراء النهر ينسب إليها ، وتوفّي عام ٣٣٣ هـ.
وهذا المنهج قريب من منهج الشيخ الأشعري ، والخلاف بينهما لا يتجاوز عدد الأصابع. ولأجل تقارب الفواصل بينهما يعسر التمييز بين المنهجين ، ومقتفي أثرهما. وسنعقد فصلاً ـ بإذنه سبحانه ـ لبيان هذا المنهج ، وحياة مؤسسه ، والفروق الموجودة بينه وبين الأشعري ، وكان المؤسّسان يعيشان في عصر واحد ، ويسعى كلّ منهما للغاية التي يسعى الآخر إليها. بيد أنّ الأشعري كان بالعراق قريباً من المعتزلة ، والماتريدي كان بخراسان بعيداً عن مواضع المعركة.
والظاهر أنّ التفتازاني ـ رغم كونه خراسانياً قاطناً في سمرقند وسرخس وهراة ـ كان أشعرياً ، ولا يفترق ماطرحه في شرح المقاصد عمّاخطته الأشاعرة أبداً.
ولنجعل الموضوع ( هل هو أشعري أو ماتريدي؟ ) تحت محكّ التجربة. إنّ النقطة التي تفترق فيها الماتريدية عن الأشاعرة كون القضاء والقدر سالبين للاختيار عند الأشعري ، وليسا كذلك عند الماتريدي.
والتفتازاني في شرحه على مقاصد الطالبين ينحو إلى القول الأوّل ويقول : قد اشتهر بين أكثر الملل أنّ الحوادث بقضاء الله تعالى وقدره ، وهذا يتناول أفعال العباد ، وأمره ظاهر عند أهل الحقّ لما تبين أنّه الخالق لها نفسها.
ثمّ إنّه ينقل أدلة المعتزلة على أنّه لو كان القضاء والقدر سالبين للاختيار ، يلزم بطلان الثواب والعقاب (١) ، ثمّ يخرج في مقام الجواب عن استدلال
ـــــــــــــــــــ
١ ـ وقد أتى بروايتين : إحداهما عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأُخرى عن علي عليهالسلام وكلاهما يركزان على أنّ التقدير لا يسلب الاختيار. لاحظ رواية علي عليهالسلام في نهج البلاغة قسم الحكم الرقم ٧٨ ، وأمّا الرواية النبوية فهذا متنها : « روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال لرجل قدم