الكلام في شيء ممّا ذكرناه ، علمنا أنّ الكلام فيه بدعة ، والبحث عنه ضلالة ، لأنّه لو كان خيراً لما فات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولتكلَّموا فيه ، قالوا : ولأنّه ليس يخلو ذلك من وجهين : إمّا أن يكونوا علموه فسكتوا عنه ، أو لم يعلموه بل جهلوه ؛ فإن كانوا علموه ولم يتكلّموا فيه وسعنا أيضاً نحن السكوت عنه ، كما وسعهم السكوت عنه ، ووسعنا ترك الخوض كما وسعهم ترك الخوض فيه ، ولأنّه لو كان من الدِّين ما وسعهم السكوت عنه ، وإن كانوا لم يعلموه وسعنا جهله كما وسع أُولئك جهله ، لأنّه لو كان من الدين لم يجهلوه ، فعلى كلا الوجهين الكلام فيه بدعة ، والخوض فيه ضلالة ؛ فهذه جملة ما احتجّوا به في ترك النظر في الأُصول.
قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : الجواب عنه من ثلاثة أوجه :
أحدها قلب السؤال عليهم بأن يقال : النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يقل أيضاً إنّه من بحث عن ذلك وتكلّم فيه فاجعلوه مبتدعاً ضالاً ، فقد لزمكم أن تكونوا مبتدعة ضُلاّلاً إذ قد تكلّمتم في شيء لم يتكلم فيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وضلّلتم من لم يضلّله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
الجواب الثاني أن يقال لهم : إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يجهل شيئاً ممّا ذكرتموه من الكلام في الجسم والعرض ، والحركة والسكون ، والجزء والطفرة ، وإن لم يتكلم في كلّ واحد من ذلك معيناً ، وكذلك الفقهاء والعلماء من الصحابة ، غير أنّ هذه الأشياء التي ذكرتموها معينة ، أُصولها موجودة في القرآن والسنة جملة غير منفصلة.
فأمّا الحركة والسكون والكلام فيهما فأصلهما موجود في القرآن ، وهما يدلاّن على التوحيد ، وكذلك الاجتماع والافتراق ، قال الله تعالى مخبراً عن خليله إبراهيم صلوات عليه وسلامه في قصة أُفول الكوكب الشمس والقمر (١) وتحريكها من مكان إلى مكان ، ما دلّ على أنّ ربّه عزّوجلّ لا يجوز
ــــــــــــــــــ
١ ـ الأنعام : ٧٥ ـ ٧٩.