وأمّا أصلنا في استدراكنا مغالطة الخصوم فمأخوذ من قوله تعالى (إِنّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ـ إلى قوله ـ لا يَسْمَعُونَ) (١) فإنّها لمّا نزلت هذه الآية بلغ ذلك عبد الله بن الزبعرى ـ وكان جدلاً خصماً ـ فقال : خصمت محمداً وربّ الكعبة ، فجاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : يا محمد! ألست تزعم أنّ عيسى وعزيراً والملائكة عبدوا؟ فسكت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا سكوت عي ولا منقطع ، تعجباً من جهله ، لأنّه ليس في الآية ما يوجب دخول عيسى وعزير والملائكة فيها ، لأنّه قال : َما تَعبدونولم يقل وكلّ ما تعبدون من دون الله ، وإنّما أراد ابن الزبعري مغالطة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليوهم قومه أنّه قد حاجّه ، فأنزل الله عزّوجلّ : (إِنَّ الَّذينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الحُسنى) يعنى من المعبودين (أُولئِكَ عَنْهَا مُبعدُونَ ) (٢) ، فقرأ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك ، فضجّوا عند ذلك لئلا يتبين انقطاعهم وغلطهم ، فقالوا : (ءَآلهتنا خيرٌ أمْ هُو) يعنون عيسى ، فأنزل الله تعالى : (ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذاً قومك منه يصدّون) إلى قوله (خصمون) (٣) ، وكلّ ما ذكرناه من الآي أو لم نذكره أصل ، وحجة لنا في الكلام فيما نذكره من تفصيل ، وإن لم تكن مسألة معينة في الكتاب والسنّة ، لأنّ ما حدث تعيينها من المسائل العقليات في أيّام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والصحابة قد تكلّموا فيه على نحو ما ذكرناه.
والجواب الثالث : إنّ هذه المسائل التي سألوا عنها قد علمها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يجهل منها شيئاً مفصلاً ، غير أنّها لم تحدث في أيام معينة فيتكلم فيها ، أو لا يتكلّم فيها ، وإن كانت أُصولها موجودة في القرآن والسنّة ، وما حدث من شيء فيما له تعلّق بالدين من جهة الشريعة فقد تكلّموا فيه وبحثوا عنه وناظروا فيه وجادلوا وحاجّوا ، كمسائل العول والجدات من مسائل الفرائض ، وغير ذلك من الأحكام ، وكالحرام والبائن والبتة وحبلك
ــــــــــــــــــ
١ ـ الأنبياء : ٩٨ ـ ١٠٠.
٢ ـ الأنبياء : ١٠١.
٣ ـ الزخرف : ٥٧ ـ ٥٨.