هذا ولكن يرد على أصل الاستدلال أن الاولويّة المذكورة فيه إطلاقها ممنوع ، بل ربّما يكون الأمر بالعكس ، لوضوح أنّ مراتب المصلحة من أوّلها إلى آخرها ممّا يقتضي الاستحباب إلى آخر مرتبة الإيجاب متفاوتة ضعفا وشدّة قد تبلغ حد مصلحة الصّلاة الّتي تكون «عمود الدّين ، أو حفظ نبي مرسل ، أو بيضة الإسلام» فيوجب تأكد الإيجاب على نحو لا يكون فوقه حد ، وكذلك مراتب المفسدة ممّا يقتضي الكراهة إلى التّحريم متفاوتة ضعفا وشدّة إلى أن تبلغ حدا لا يكون أعظم منه ولا يصحّ لأحد أن يقول بقول مطلق أن المفسدة أقوى تأثيرا في إثبات الحرمة من المصلحة في إثبات الوجوب عند الدّوران ، وكذا العكس وإلّا لزم أن يكون أوّل مراتب ما يقتضي التحريم من المفسدة أقوى تأثيرا من آخر مراتب ما يقتضي الإيجاب من المصلحة أو العكس ، وهذا بديهي البطلان ، هل يصحّ أن يقال مثلا إذا دار الأمر بين حفظ نبي مرسل وبين التّصرّف في مال الغير بدون إذنه ولو بمثل حبله أو لوحه لإنقاذ النّبي عند غرقة تكون مفسدة التّصرّف في مال الغير حينئذ ، أقوى في مصلحة حفظ النّبي ، وكذا العكس في سائر الموارد ، فلا يصحّ تقديم المفسدة أو المصلحة على الاخرى بقول مطلق في جميع الموارد كما هو مدّعي الخصم ، بل لا بدّ في كلّ مورد من ملاحظة مرتبة كلّ منهما ، قد تكونان في عرض واحد فيكون المجمع حينئذ مباحا ، وقد تكون مرتبة أحدهما غالبة على الاخرى مكروها أو حراما أو مستحبا أو واجبا على اختلاف الموارد ، فالتأثير الفعلي لأحدهما عند الدّوران بينهما متوقف على غلبتها على الاخرى ، فلا بدّ في كلّ مورد من إحراز الغلبة كي يمكن التّرجيح بها ، كما هو الحال في أفعال العقلاء ، فربّما يقدمون بعض المصالح أو المفاسد على الآخر فلا يكون التّقديم لإحدهما في جميع