بالجواز على الأول دون الثاني ولعل وجهه هو تخيل ان التخصيص يوجب التجوز في العام فإذا صار العام مجازاً بعد التخصيص جاز تخصيصه ثانياً بخبر الواحد نظراً إلى أن التخصيص الثاني لا يوجب شيئاً زائداً على ما فعله فيه التخصيص الأول ، وعليه فلا مانع منه وفيه ما عرفت من ان التخصيص لا يوجب التجوز في العام. وتارة أخرى بين المخصص المتصل والمنفصل فقال بالجواز في الأول دون الثاني ، ولعل وجهه هو أن الأول لا يوجب التجوز في العام دون الثاني ، وفيه ما مر من أن التخصيص مطلقاً لا يوجب التجوز فيه. ومنهم من توقف في المسألة وهو الباقلاني. فالنتيجة ان هذه الأقوال منهم لا ترتكز على أساس صحيح.
والتحقيق هو ما ذهب إليه علمائنا قدس الله أسرارهم من جواز تخصيصه بخبر الواحد مطلقاً ، والسبب في ذلك هو اننا إذا أثبتنا حجية خبر الواحد شرعاً بدليل قطعي فبطبيعة الحال لا يكون رفع اليد عن عموم الكتاب أو إطلاقه به الا رفع اليد عنه بالقطع لفرض انا نقطع بحجيته. وبكلمة أخرى ان التنافي انما هو بين عموم الكتاب وسند الخبر ، ولا تنافي بينه وبين دلالته لتقدمها عليه بمقتضى فهم العرف حيث انها تكون قرينة عندهم على التصرف فيه ،
ومن الواضح انه لا تنافي بين ظهور القرينة وظهور ذيها ، وعلى هذا فإذا أثبتنا اعتبار سنده شرعاً بدليل فلا محالة يكون مخصصاً لعمومه أو مقيداً لإطلاقه ، ولا يكون مرد هذا إلى رفع اليد عن سند الكتاب حتى لا يمكن ضرورة انه لا تنافي بين سنده وبين الخبر لا سنداً ولا دلالة وانما التنافي كما عرفت بين دلالته على العموم أو الإطلاق وبين سند الخبر ، وأدلة اعتبار السند حاكمة عليها ورافعة لموضوعها ـ وهو الشك في إرادة العموم ـ حيث أنه بعد اعتباره سنداً مبين لما هو للمراد من الكتاب في نفس الأمر