الله تعالى وسلطانه المطلق وان وجود أي ممكن من الممكنات فيه منوط بمشيئته تعالى وأعمال قدرته فان شاء أوجده وان لم يشاء لم يوجده ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ان الله سبحانه عالم بالأشياء بشتى أنواعها وأشكالها منذ الأزل وان لها بجميع أشكالها تعييناً علمياً في علم الله الأزلي ويعبر عن هذا التعيين بتقدير الله مرة وبقضائه مرة أخرى.
ومن ناحية ثالثة ان علمه تعالى بالأشياء منذ الأزل لا يوجب سلب قدرة الله تعالى واختياره عنها ، ضرورة أن حقيقة العلم بشيء الكشف عنه على واقعه الموضوعي من دون أن يوجب حدوث شيء فيه فالعلم الأزلي بالأشياء هو كشفها لديه تعالى على واقعها من الإناطة بمشيئة الله واختياره فلا يزيد انكشاف الشيء على وقع ذلك الشيء ، وقد فصلنا الحديث من هذه الناحية في مبحث الجبر والتفويض بشكل موسع.
فالنتيجة على ضوء هذه النواحي الثلاث هي أن معني تقدير الله تعالى للأشياء وقضائه بها ان الأشياء بجميع ضروبها كانت متعينة في العلم الإلهي منذ الأزل على ما هي عليه من أن وجودها معلق على أن تتعلق المشيئة الإلهية بها حسب اقتضاء الحكم والمصالح التي تختلف باختلاف الظروف والتي يحيط بها العلم الإلهي.
ومن ضوء هذا البيان يظهر بطلان ما ذهب إليه اليهود من أن قلم التقدير والقضاء حينما جرى على الأشياء في الأزل استحال ان تتعلق المشيئة الإلهية بخلافه.
ومن هنا قالوا يد الله مغلولة عن القبض والبسط والأخذ والإعطاء ووجه الظهور ما عرفت من ان قلم التقدير والقضاء لا يزاحم قدرة الله تعالى على الأشياء حين إيجادها حيث انه تعلق بها على واقعها الموضوعي من الإناطة بالمشيئة والاختيار فكيف ينافيها.