وتترك المراء وإن كنت محقا » (١).
وقال الحكماء : ثمرة القناعة الراحة وثمرة التواضع المحبة. وقالوا : التواضع كالوهدة يجتمع فيها قطرها وقطر غيرها. إن التواضع نعمة إلهية ، ونفحة طيبة ، وصفة إنسانية نبيلة فطوبى لمن تحلى بالتواضع مع رفعة قدره وسمو ذاته ، والجدير بكل من تحلى بهذه الصفة الكريمة أن يكون في الصفوف الأولى من عالمنا هذا المتحضر.
وما يجدر الإشارة إليه أننا أصبحنا في عصرنا الحاضر المتحضر نرى الكثيرين من أفراد الأمة يتصدرون المجالس ليشار إليهم بالبنان ، ويتبجحون في أساليب كلامهم ليظهروا عظمتهم ويرموا بهالة من التقديس والتوقير في نفوس مستمعيهم. والحقيقة أن التقديس منهم براء ، والعظمة منهم في عزاء ، والمجد والرفعة بعيدان عنهم على حد سواء. وقال الرسول الأكرم (ص) : « أفضل الرجال من تواضع عن رفعة وزهد عن قدرة ، وأنصف عن قوة » (٢).
ومما روي عن الإمام زين العابدين (ع) قال : لامه عبد الملك بن مروان لأنه تزوج أم ولد لبعض الأنصار فكتب إليه الإمام (ع) : « إن الله قد رفع بالإسلام الخسيسة ، وأتم النقيصة ، وأكرم به من اللؤم ، فلا عار على مسلم ، هذا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد تزوج أمته وامرأة عبده » (٣).
أدعو الله تعالى فأقول : « يا رب إذا أعطيتني مالا لا تأخذ سعادتي ، وإذا أعطيتني قوة لا تطفىء سراج بصيرتي ، وإذا أعطيتني تواضعا لا تأخذ اعتزازي بكرامتي.
__________________
(١) نهاية الأرب للنويري.
(٢) العقد الفريد ، ج ٢.
(٣) عيون الأخبار للدينوري ، ص ٨.