له : جعلني الله فداك! أخبرني عن قول الله عز وجل : ( وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ) ، قال له (ع) : ما يقول الناس فيها قبلكم؟ قال : يقولون : إنها مكة. فقال : وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكة؟ قال : فما هو؟
قال : إنما عنى الرجال ، قال : وأين ذلك في كتاب الله؟ فقال : أو ما تسمع إلى قوله عز وجل : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ ) وقال : ( وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ ) وقال : ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها ) أفيسأل القرية أو الرجال أو العير؟ قال : وتلا عليه آيات بهذا المعنى قال : جعلت فداك! فمن هم؟ قال : نحن هم ، فقال : أو ما تسمع إلى قوله : ( سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ) قال : آمنين من الزيغ » (١).
فالله سبحانه أعلم أين يضع رسالته فأهل البيت أهل العلم والمعرفة وأهل التقى والدين جاهدوا في الله حق جهاده وعملوا على نشر العلوم الدينية والأدبية والفلسفية والعملية بكل ما زودهم سبحانه بها من طاقات.
والإمام السجاد ورث العلم بكل أنواعه وألوانه عن أبيه وجديه فحفظ كتاب الله وتفقه فيه وعمل على نشره.
روى الطبرسي قال : « لقي عباد البصري علي بن الحسين (ع) في طريق مكة فقال له : « يا علي بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحج ولينه ، وإن الله عز وجل يقول : ( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [ التوبة : ١١١ ] فقال علي بن الحسين : إذا رأينا هؤلاء الذي هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج ».
__________________
(١) الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٣١٢.