والعلم والدراسة والتعليم لأنه وجد في ذلك غذاء لروحه وسلوة لقلبه وأنسا لنفسه. وإلى جانب انصرافه إلى نشر العلم والفقه كان رحيما بالناس وجوادا سخيا وخلوقا حليما.
روى الكليني في الكافي قال : « ما تجرعت جرعة أحب إلي من جرعة غيظ لا أكافىء بها صاحبها ، ووقف عليه رجل من بني عمومته فأسمعه كلاما مرا وشتمه ، فلم يكلمه ، فلما انصرف قال لجلسائه : قد سمعتم ما قال هذا الرجل ، وأنا أحب أن تبلغوا معي حتى تسمعوا ردي عليه ، فمضوا معه وهو يقول : والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. فخرج الرجل متوثبا للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافيا له على بعض ما كان منه ، فقال له الإمام زين العابدين : يا أخي إنك كنت قد وقفت علي آنفا وقلت ما قلت فإن كنت قد قلت ما فيّ فأنا أستغفر الله منه ، وإن كنت قد قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك ، فأقبل عليه الرجل معتذرا وقال : لقد قلت ما ليس فيك وأنا أحق به.
وقال الرواة في مناقبه قال الشبلنجي : « خرج يوما من المسجد فلقيه رجل فسبه وبالغ في سبه وأفرط ، فعاد إليه العبيد والموالي فكفهم عنه وأقبل عليه وقال له : ما ستر عنك من أمرنا أكثر ، ألك حاجة نعينك عليها؟
فاستحى الرجل ، فألقى عليه حميصه (١) وألقى عليه خمسة آلاف درهم فقال : أشهد أنك من أولاد المصطفى ».
ويروي عنه الرواة الكثير عن حلمه وسماحته منها : إن جارية له كانت تحمل إبريقا وتسكب منه الماء لوضوئه فسقط من يدها على وجهه فشجه وسال دمه فرفع رأسه إليها لائما ، فقالت له الجارية : إن الله يقول : ( وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ ) ، فقال : قد كظمت غيظي. فقالت : ( وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ ) ، فقال : عفا الله عنك ، فقالت : ( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ، فقال : أنت حرة لوجه الله.
__________________
(١) الحميصة : هي ثوب خز أو صوف معلم.