فقال : دعني أحمله عنك فإني أرفعك عن حمله. فقال (ع) : لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني من سفري ويحسن ورودي على ما أرد عليه أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك وتركتني. فلما كان بعد أيام لقيه ابن شهاب وقال : يا بن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثرا ، قال (ع) : بلى يا زهري ليس هو كما ظننت ولكنه الموت وله أستعد ، إنما الاستعداد للموت تجنب الحرام وبذل الندى في الخير.
وهكذا كان يعمل دائما ، يطرق بيوت الفقراء وهو مثلهم وأكثرهم كانوا يقفون على أبواب بيوتهم ينتظرونه فإذا رأوه تباشروا به وقالوا : جاءنا صاحب الجراب.
وروى عنه أبو نعيم أنه كانت بيوت في المدينة كثيرة تعيش من صدقات علي بن الحسين (ع) ولا تدري من هو فاعل الخير هذا؟ فلما توفاه الله فقدوا ما كان يأتيهم فعلموا بأنه هو الذي كان يعيلهم ، وقالوا : ما فقدنا صدقة السر حتى فقدنا علي بن الحسين زين العابدين. روى الصدوق عن الإمام الباقر أنه كان يعول مائة بيت في المدينة. وكان إذا جاءه سائل يقول : مرحبا بمن يحمل زادي ليوم القيامة ولا يأكل طعاما حتى يتصدق بمثله.
وروى ابن طاووس عن الإمام الصادق (ع) إن علي بن الحسين إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبدا له ولا أمة وإذا أذنب عبد له أو أمة يسجل ذلك عليهم ، فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم وجمعهم حوله ثم يعرض عليهم سيئاتهم فيعترفون بها ... ثم يقف بينهم ويقول : ربنا إنك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا وقد عفونا كما أمرت فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا ومن المأمورين ثم يقبل عليهم ويقول : لقد أعتقت رقابكم طمعا في عفو الله وعتق رقبتي من النار. فإذا كان يوم العيد أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عما في أيدي الناس. وكان يقول : « إن لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان سبعين ألف عتيق من النار