تعبير السبكي فطاف في البيت فلما بلغ الحجر انفرج له الناس عنه وأفسحوا له المجال ووقفوا إجلالا له وتعظيما حتى إذا استلم الحجر وقبله والناس ينظرون إليه واجمين. فلما مضى عنه عادوا إلى طوافهم.
هذا وهشام بن عبد الملك ومن معه من أهل الشام يرون كل ذلك ونفس هشام تتحرق غيظا وحسدا. التفت رجل من أهل الشام وسأل هشام بن عبد الملك : من هذا الذي قد هابه الناس هذه المهابة. فقال هشام : لا أعرفه!! مخافة أن يرغب فيه أهل الشام. وكان الفرزدق الشاعر حاضرا ، فقال : أنا أعرفه ، فقال الشامي : ومن هو يا أبا فراس؟ فقال الفرزدق ومضى في وسط تلك الجموع المحتشدة يقول على البديهة :
هذا الذي تعرف
البطحاء وطأته |
|
والبيت يعرفه
والحل والحرم |
هذا ابن خير
عباد الله كلهم |
|
هذا التقي النقي
الطاهر العلم |
إذا رأته قريش
قال قائلها : |
|
إلى مكارم هذا
ينتهي الكرم |
ينمى إلى ذروة
العز التي قصرت |
|
عن نيلها عرب
الإسلام والعجم |
يكاد يمسكه
عرفان راحته |
|
ركن الحطيم إذا
ما جاء يستلم |
يغضي حياء ويغضى
من مهابته |
|
فما يكلم إلا
حين يبتسم |
من جده دان فضل
الأنبياء له |
|
وفضل أمته دانت
له الأمم |
ينشق نور الهدى
عن نور غرته |
|
كالشمس ينجاب عن
إشراقها الظلم |
مشتقة من رسول
الله نبعته |
|
طابت عناصره
والخيم والشيم |
هذا ابن فاطمة
إن كنت جاهله |
|
بجده أنبياء
الله قد ختموا |
الله شرفه قدما
وفضله |
|
جرى بذاك له في
اللوحة القلم |
فليس قولك : من
هذا بضائره |
|
العرب تعرف من
أنكرت والعجم |
كلتا يديه غياث
عمّ نفعهما |
|
يستوكفان ولا
يعروهما العدم |
سهل الخليقة ،
لا تخشى بوادره |
|
يزينه اثنان :
حسن الخلق والكرم |
حمّال أثقال
أقوام إذا قدحوا |
|
حلو الشمائل
تحلو عنده نعم |
لا يخلف الوعد
ميمون نقيبته |
|
رحب الفناء أريب
حين يعتزم |
ما قال لا قط :
إلا في تشهده |
|
لو لا التشهد
كانت لاؤه نعم |