الظلمة ، فقد لعمري ، استدبرتم من الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة ، والانهماك فيها ، ما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق ، فاستعينوا بالله ، وارجعوا إلى طاعته ، وطاعة من هو أولى بالطاعة من طاعة من اتبع وأطيع ».
أبدى (ع) ما كانت تواجهه الأمة في عصره الكثير من ألوان الأسى المرير والفتن المذهلة ، وحوادث البدع ، وطرق الجور من قبل الحكام الأمويين الذين أغرقوا البلاد بالفتن والظلم والتعسف. فكان وقع تلك الأحداث شديدا على الأمة ، فقد ثبطت القلوب عن نياتها ، وأبعدتها عن طريق الحق والرشاد.
ثم تابع محذرا (ع) « فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة ، والقدوم على الله ، والوقوف بين يديه ، وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه ، وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم ، وساء مصيرهم ، وما العلم بالله والعمل بطاعته إلا إلفان مؤتلفان ، فمن عرف الله خافه ، فحثه الخوف على العمل بطاعة الله ، وإن أرباب العلم وأتباعهم ، الذين عرفوا الله فعملوا له ، ورغبوا إليه وقد قال الله تعالى : ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) (١). فلا تلتمسوا شيئا في هذه الدنيا بمعصية الله ، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله ، واغتنموا أيامها ، واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله ، فإن ذلك أقل للتبعة ، وأدنى من العذر ، وأرجى للنجاة ، فقدموا أمر الله وطاعته ، وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها ، ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت ، وفتنة زهرة الدنيا بين يدي أمر الله وطاعته ، وطاعة أولي الأمر منكم ، واعلموا أنكم عبيد الله ، ونحن معكم ، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا ، وهو موقفكم ، ومسائلكم ، فأعدوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة والعرض على رب العالمين ، يومئذ لا تكلم نفس إلا بإذنه ».
__________________
(١) فاطر ، الآية ٢٥.