مضافا إلى الإجماع المدّعى في المقام وحكى في الجواهر (١) عن المختلف أنّه لم نقف فيه على مخالف منّا غير ابن إدريس فجوّز ، وقوله محدث لا يعوّل عليه ولا ينثلم به الإجماع. ونسب في الدروس قوله إلى الشذوذ ، وعلى كلّ حال رواية غياث في حدّ نفسها موثّقة ، وبضميمة الإجماع على مضمونه بعد ما كان المراد من الكراهة الحرمة بضميمة الروايات المعتبرة ، يكون اعتباره قويّا ، فتكون حجّة قويّة على الحرمة.
والظاهر من لفظ « الحيوان » في الحديث وفي رواية غياث هو الحيوان الحيّ ، وهو ليس من الموزون ؛ ولذلك يجوز بيع شاة بشاتين ؛ لأنّه لا ربا في غير المكيل والموزون ، فالحرمة ليست ـ من ناحية كونه رباء ، بل من ناحية ورود النهي والتعبّد.
فما ذكره العلاّمة قدسسره في التذكرة (٢) من القول بالكراهة ونفي الحرمة من جهة عدم كونه رباء ؛ لفقد شرطه وهو كونه مكيلا أو موزونا ، فيكون الأصل سالما عن المعارض الحاكم عليه ـ لا يتم ؛ لما ذكرنا من أنّ عدم صحّته وحرمته ليس من جهة كونه ربا ، بل من جهة الأدلّة المذكورة.
ثمَّ إنّه بنا على ما ذكرنا من أنّ حرمة بيع اللحم بحيوان من جنسه ليس من جهة كونه رباء ، فهل يحرم بغير جنسه أيضا ، كما إذا باع لحم شاة ببقرة أم لا؟ مبنيّ على أنّ المراد من الحيوان في الرواية وفي الحديث خصوص الحيوان الذي من جنس اللحم ، أم مطلق الحيوان ، وكذلك معقد الإجماع خاصّ أو عام.
أقول : أمّا الأخير : أي معقد الإجماع ، فمن الواضح عدم شموله لبيع اللحم بغير جنسه ؛ لأنّ المشهور بين المتأخّرين بل ادّعى الإجماع بعضهم ، هو جواز البيع بغير جنسه ، مثل أن يبيع لحم الشاة بالبقر مثلا ، ومع ادّعاء هذا الإجماع والشهرة المحقّقة خصوصا بين المتأخّرين كيف يمكن القول بشمول إجماع المنع عن بيع اللحم بجنسه للبيع بغير جنسه.
__________________
(١) « جواهر الكلام » ج ٢٣ ، ص ٣٥٥.
(٢) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٧٨.