واعتمدنا في نصرة هذا المذهب على عموم ظاهر القرآن ، ثمَّ لمّا تأمّلت ذلك رجعت عن هذا المذهب ، لأنّي وجدت أصحابنا مجمعين على نفي الربا بين ما ذكرنا ، وغير مختلفين في وقت من الأوقات ، وإجماع هذه الطائفة قد ثبت أنّه حجّة ، ويخصّ به ظاهر القرآن.
فانظر إلى كلام هذا الفقيه العظيم ، وأنّه رجع عن فتواه لمّا رأى من الإجماع والاتّفاق من الأصحاب على عدم ثبوت الربا في هذه الموارد الأربعة ، فمع اتّفاق الأصحاب على الفتوى بمضمون هذه الروايات لا يبقى مجال للشكّ في حجّيتها ؛ وذلك لحصول كمال الوثوق بصدورها واعتبارها لما ذكرنا في الأصول (١) أنّ موضوع الحجّة هو خبر الموثوق الصدور ، لا خصوص خبر الثقة أو الصحيح كما قيل.
فالعمدة في المقام هو بيان دلالتها ، فنقول :
لا شكّ في أنّ ظاهر هذه الروايات نفي الربا بين الطوائف الأربع : أي الوالد والولد ، والمالك ومملوكه ، والزوج وزوجته ، والمسلم والكافر إمّا مطلقا وإن كان ذمّيا ، أو خصوص الحربي.
وفي أمثال هذه التراكيب التي يكون مفادها رفع موضوع خارجي بلا النافية للجنس ، يدور الأمر بين أمور ثلاثة بعد معلوميّة عدم رفعها تكوينا :
أحدها : أن يكون النفي بمعنى النهي ، كقوله تعالى ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (٢) ومن الواضح أنّ هذا خلاف ظاهر النفي ، ولا يصار إليه إلاّ بدليل ، ولا دليل في المقام ، فلا مانع من الأخذ بظاهرها ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ثانيها : هو أن يكون المراد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، كما قال بهذا جمع من المحقّقين في حديث « لا ضرر » وما دلّ على نفي الحرج ، وهذا أيضا خلاف ظاهر
__________________
(١) « منتهى الأصول » ج ٢ ، ص ١١١.
(٢) البقرة (٢) : ١٩٤.