عقده وعهده.
وأمّا ما توهّم من أنّ العقد أمر وحداني وجوده قائم بطرفين ، ولا يمكن إيجاده من طرف شخص واحد ؛ لأنّ العقد عبارة عن العقدة الحاصلة بين حبلي عهد كلّ واحد من الطرفين ، فكأنّ تعهّد كلّ واحد من الطرفين بمضمون العقد حبل منه في عالم الاعتبار ، فهناك حبلان : أحدهما من طرف الموجب ، والآخر من طرف القابل ، والعقد عبارة عن تعقيد رأس الحبلين كلّ واحد بالآخر.
فالعقدة التي تحصل بين رأسي الحبلين في عالم الاعتبار هو المسمّى بالعقد ، وهذه العقدة وحداني ولكن قائم بالطرفين ، ولا يمكن أن يحصل بفعل واحد كما هو واضح ؛ لأنّها نتيجة فعلين ، فكذلك كلّ واحد منهما منفردا لا يقدر على حلّ تلك العقدة ؛ وذلك لأنّ هذه العقدة فعله وفعل غيره.
فكما أنّ في عالم الإيجاد لم يكن له إيجادها وحده ، فكذلك في عالم حلّ تلك العقدة ليس له وحده حلّها ، ومعلوم أنّ جواز رجوع كلّ واحد منهما عن التزامه مرجعه إلى حلّ تلك العقدة ، وإلاّ فما دام تلك العقدة موجودة ، فحبل عهده مشدود ويمنعه عن الرجوع. والقول بأنّ له وحده حلّ تلك العقدة مساوق مع كونه مسلّطا على فعل شخص آخر لم يجعل الله له تلك السلطنة.
ولا شكّ في أنّ هذا واضح البطلان ، وذلك من جهة أنّ هذه العقدة التي وجدت في عالم الاعتبار بعد ما فرضنا أنّ صرف المعاوضة والمبادلة لا يكون سببا لوجودها ، ولذلك قلنا بأنّ المعاطاة ليس بعقد ، إذ ليس هناك عقدة والتزام في البين ، بل صرف معاوضة ومبادلة بين المالين ، أو صرف إنشاء مضمون تلك المعاملة ـ
بل سبب وجودها التزام كلا الطرفين بعدم الرجوع عن مضمون هذه المعاملة ، فحصلت العقدة من هذين الالتزامين ، فهي من فعل الطرفين ، فرفع هذه العقدة التي هي فعل الطرفين من طرف أحدهما لا يمكن إلاّ بأن يكون له سلطان على رفع سببها ،