اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ وقت نزول هذه الآية لم يشرّع الطهارة والنجاسة بعد.
ولكن هذا الاحتمال لا مجال له ، لأنّ هذه الآية في سورة البراءة بعد هجرة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان ذلك الوقت الطهارة والنجاسة الشرعيين معروفتان عند المسلمين.
الرابع : أنّ المراد بالمشركين هم المشركون في ذلك الوقت ، أي مكّة وسائر القبائل العربيّة الذين يأتون إلى الحجّ ويدخلون المسجد الحرام للطواف حول الكعبة ، وأولئك كلّهم كانوا عبدة الأصنام ، والكتابيّون لا يحجّون في ذلك الوقت وإلى الآن هم كذلك ، فعلى تقدير كون النجاسة في الآية بالمعنى الشرعي لا يشمل غيرهم من سائر فرق الكفّار.
وفيه : أنّ العبرة بعموم الكلام لا بخصوصيّة المورد ، فإذا كان « المشركون » له العموم من جهة ظهور الجمع المعرف باللاّم في العموم لجميع الأفراد التي يصلح للانطباق عليها ، فورودها في مورد قسم خاصّ من المشركين لا يضرّ بالاستدلال بعمومها.
فالإنصاف : أنّ هذه الإشكالات لا يرد شيء منها على الاستدلال بالآية الشريفة ، فالآية تدلّ على نجاسة المشركين مطلقا ، كتابيّا كانوا أم غيرهم ، وعلى غيرهم بعدم القول بالفصل ، غاية الأمر نجاسة ما عدا المشركين ليس مدلولا للآية ، وإنّما يثبت بأمر خارج عن الآية وهو القول بعدم الفصل.
والعجب من المحقّق الفقيه الهمداني أنّه قال في مصباح الفقيه : إنّ المتبادر من الآية بشهادة سياقها مشركو أهل مكّة التي أنزلت البراءة من الله ورسوله منهم ومنعوا من قرب المسجد الحرام (١).
مع أنّ الآية في مشركي خارج مكّة ، لقوله تعالى بعد هذه الجملة : ( وَإِنْ خِفْتُمْ
__________________
(١) « مصباح الفقيه » ج ١ ، ص ٥٥٨.