عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (١) أي : خفتم للفقر والنقص في معاشكم من ناحية عدم إتيانهم إلى الحجّ وإلى مكّة ، وعدم انتفاعكم بما يأتون به من الأجناس والأموال التي كانت معهم للبيع والشراء معكم ، وكان أهل مكّة خافوا انقطاع المتاجر عنهم بمنع المشركين عن دخول الحرم ، فوعدهم الله تعالى بأنّه جلّ شأنه سوف يغنيهم من فضله ، وهو تبارك وتعالى وفى بوعده ، وكان يحمل الميرة إليهم من أنحاء العالم.
وخلاصة الكلام في هذا المقام : أنّ الآية الشريفة تدلّ على أنّ الله تبارك وتعالى منع المشركين عن دخول المسجد الحرام لأنّهم أنجاس ، وحيث أنّ كلمة « المشركون » جمع معرّف باللاّم فهو عامّ يشمل كلّ من ينطبق عليه هذا العنوان ، فالآية ظاهرة في أنّ كلّ مشرك نجس ، الموجودون في ذلك الزمان أو من يوجد فيما بعده إلى قيام القيامة وبقاء هذا الدين.
اللهمّ إلاّ أن يقال : أنّ قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (٢) من قبيل القضايا الخارجيّة والحكم فيها يكون على الأفراد الموجودة في ذلك العصر وفي ذلك القطر ، فلا يشمل غيرهم.
ولكن ما أظنّ أحدا يرتضي بهذه المقالة.
ولا شكّ أنّ ظاهر هذه الجملة ـ أي قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ـ كبرى كلّية يعلّل بها عدم جواز دخول مشركي القبائل في الحرم ، ووجوب منعهم ، فالتعليل عامّ يشمل المشركين الذين كانوا موجودين في ذلك الزمان ، ومن لم يكن ذلك الوقت موجودا ، والذين كانوا يحجّون كمشركي العرب في ذلك الزمان ، أو لا يحجّون كسائر المشركين وكاليهود والنصارى.
فالعمدة هو شمول لفظ « المشرك » لليهود والنصارى ، وعدم شموله. وقد تقدّم أنّه
__________________
(١) التوبة (٩) : ٢٨.
(٢) التوبة (٩) : ٢٨.