من أهل الكتاب وإنّي أسلمت وبقي أهلي كلّهم على النصرانيّة وأنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم ، فآكل من طعامهم؟ فقال عليهالسلام لي : « يأكلون لحم الخنزير؟ » فقلت : لا ، ولكنّهم يشربون الخمر ، فقال لي : « كل معهم واشرب » (١).
وأنت خبير بأنّ قوله عليهالسلام « كل معهم واشرب » مع اعتراف السائل بأنّهم يشربون الخمر ظاهر في التقيّة ، لأنّ الخمر طاهر عندهم بخلاف لحم الخنزير ، ولذلك سئل عليهالسلام عن أكلهم لحم الخنزير ، فلو كان جوابه أنّهم يأكلون ، لم يكن مورد التقيّة.
ولكن السائل حيث نفى ذلك واعترف بأنّهم يشربون الخمر والخمر عندهم طاهر حكم بجواز الأكل والشرب معهم تقيّة ، إذ المنع عن الأكل والشرب معهم لا بدّ وأن يكون لأحد أمرين : إمّا لنجاستهم ذاتا ، أو لكون الخمر نجسا ، فإذا شربوا يتنجّسون. وكلاهما مخالفان للتقيّة ، لأنهم لا يقولون بنجاسة أهل الكتاب ولا بنجاسة الخمر ، فلو كان عليهالسلام بصدد بيان الحكم الواقعي فلا بدّ له من الحكم بعدم جواز الأكل والشرب معهم ، لا الجواز ، فمعلوم أنّ حكمه بجواز الأكل والشرب معهم ليس حكما واقعيّا ، فلا يستكشف من حكمه هذا طهارتهم.
منها : موثّق عمّار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنّه يهوديّ؟ فقال : « نعم ». فقلت : من ذلك الماء الذي يشرب منه؟ قال عليهالسلام : « نعم » (٢).
ولكن يمكن أن يقال : لعلّ حكمه عليهالسلام بجواز التوضي عن ذلك الماء الذي شرب منه اليهودي مبني على عدم انفعال ماء القليل بملاقاة النجاسة ، فيكون سياق هذه
__________________
(١) « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ٨٧ ، ح ٣٦٩ ، باب الذبائح والأطعمة ، ح ١٠٤ ، « المحاسن » ص ٤٥٣ ، ح ٣٧٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٦ ، ص ٣٨٥ ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، باب ٥٤ ، ح ٥.
(٢) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٢٣ ، ح ٦٤١ ، باب المياه وأحكامها ، ح ٢٤ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ١٨ ، ح ٣٨ ، باب استعمال أسئار الكفّار ، ح ٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١ ، ص ١٦٥ ، أبواب الأسئار ، باب ٣ ، ح ٣.