تلك القرائن على كون صدوره تقيّة لا يجري ذلك الأصل العقلائي.
ولا نقول إنّ تلك الأمارات والظنون حجج شرعيّة على أنّ هذا الخبر صدر تقيّة كي تقول بأنّ تلك الأمارات والظنون المدّعاة في المقام ليست إلاّ ظنون غير معتبرة ، فلا يثبت بها صدوره تقيّة ، بل نقول مع وجود تلك الأمارات التي عمدتها اتّفاق الأصحاب على الإفتاء بخلافها والإعراض عنها وعدم العمل بها مع صحّة سند بعضها وظهورها في الطهارة ، لا يبقى مجال لجريان أصالة جهة الصدور ، وأنّها لبيان حكم الله الواقعي لأنّها أصل عقلائي ولا بناء للعقلاء في مثل المورد ، وإن كان إعراضهم عن الخبر في حدّ نفسه ليس حجّة شرعيّة على صدوره تقيّة.
فما ذكره الفقيه النبيه الهمداني قدسسره (١) في هذا المقام وقال : فإعراض الأصحاب عنه بالنسبة إليه أمارة ظنيّة لا دليل على اعتبارها ، واضح البطلان ، ثمَّ هو يعترف بأنّه إن أثرت وهنا في الرّواية من حيث السند ـ إلى آخر ما أفاد ـ سقطت عن الحجيّة ولكن لا يؤثّر فيما هو موضوع أصالة الصدور ، لأنّه ليس موضوعه الظنّ الشخصي بالصدور ، بل يكفي وثاقة الراوي.
وهذا الكلام عنه وإن كان في حدّ نفسه لا يخلو عن مناقشة ، ولكن الإشكال عليه من جهة أخرى ، وهو أنّ كلامنا الآن في عدم جريان أصالة جهة الصدور مع وجود أمارة التقيّة والظنّ بذلك ، وإن كانت تلك الأمارة وذلك الظنّ غير معتبر في حدّ نفسها.
ولا نقول أيضا بأنّها نقطع بعدم صدور هذه الأخبار لبيان حكم الله الواقعي كي تقول بأنّ القطع حجّة في حقّ نفس القاطع لا غيره ، بل نقول بعدم جريان ذلك الأصل العقلائي والحجيّة متوقّفة عليه.
وأمّا ما أفاده أخيراً بعد كلام طويل وقال : فالحقّ أنّ المسألة في غاية الإشكال. ولو قيل بنجاستهم بالذات ، والعفو عنها عند عموم الابتلاء أو شدّة الحاجة إلى
__________________
(١) « مصباح الفقيه » ج ١ ، ص ٥٦١.