معاشرتهم ومساورتهم ، أو معاشرة من يعاشرهم ، لمكان الحرج والضرورة كما يؤيّده أدلّة نفي الحرج ، لم يكن بعيدا إلى آخر ما قال وأفاد قدسسره.
ففيه أوّلا : ما عرفت أنّ المسألة لا إشكال فيها. وأمّا قوله بالعفو لأدلّة الحرج فقد بيّنّا في قاعدة الحرج من هذا الكتاب أنّ لقاعدة الحرج والضرر حكومة واقعيّة على أدلّة الأحكام الواقعيّة ، بمعنى رفع الحكم الحرجي والضرري واقعا ، فالدليل يدلّ على ثبوت حكم واقعي لموضوع من الموضوعات ، بعمومه أو إطلاقه يشمل أيّ حكم كان ، حرجيا أو غير حرجي ، ولكن القاعدة مفادها ارتفاع ذلك الحكم عن صفحة التشريع إن كان حرجيّا بالنسبة إلى أيّ شخص من الأشخاص.
مثلا مفاد قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) (١) هو وجوب الوضوء على كلّ واحد من أفراد المؤمنين ، سواء كان حرجيّا في حقّ شخص أو لم يكن ، ولكن قاعدة الحرج توجب رفع الوجوب الحرجيّ عن كلّ شخص كان الوجوب حرجيّا في حقّه ، ولكن النفي بلسان نفي المحمول ، والمحمول على الوضوء هو الوجوب ، فالنتيجة أنّ الوجوب الحرجيّ لم يجعل في الدين ، ولكن الحرج حرج شخصيّ.
وبعبارة أخرى : مفاد القاعدة أنّ الحكم الحرجي في حقّ أي شخص كان ليس بمجعول في الدين ، فلا بدّ وأن يكون شخص ذلك الحكم المرفوع حرجيّا ، فيمكن أن يكون حرجيّا في حقّ شخص دون شخص آخر ، وفي وقت دون وقت آخر ، فليس كونه حرجيّا نوعا موجبا لارتفاعه عن كلّ شخص ، وإن لم يكن حرجيّا في حقّه.
نعم قد يكون الحرج منشأ لجعل حكم ، ولكن ذلك لا يثبت بدليل الحرج ، بل يحتاج إلى دليل آخر.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : إذا كان ترك المؤاكلة أو المساورة معهم حرجيّا بالنسبة
__________________
(١) المائدة (٥) : ٦.