الأصول (١) ، وقلنا إنّه متوقّف على أن يكون المراد من التقيّة هو العمل الذي يتقى به ، لا الاتّقاء بالعمل ، ولا يبعد ذلك ، فيكون كالوصيّة بمعنى ما أوصى به ، فكما أنّ الوصيّة اسم مصدر للإيصاء وقد يجيء بمعنى الموصى به ، فلتكن التقيّة أيضا كذلك.
وخلاصة الكلام : أنّ الأخبار العامّة والخاصّة تدلّ على أنّ إتيان الواجبات موافقة للمخالفين وإن كانت مخالفة للحقّ قد أذن ورخّص فيه الشارع ، فلا ينبغي الشكّ في أنّها مجزية عن الواقع الأوّلي ، ولا يجب إعادتها ولا قضاؤها بعد ارتفاع الخوف وحصول الأمن.
ولكن هذا الذي قلنا ـ بأنّ الإتيان بالواجبات موافقة لمذهبهم مع كونها مخالفة للحقّ للتقيّة مجز عن الإتيان بما هو الحقّ بعد ارتفاع الخوف وحصول الأمن ـ يكون فيما إذا كانت المخالفة في المذهب ، بمعنى أنّ الاختلاف يكون بين المذهبين في أجزاء الواجبات ، أو شرائطها ، أو موانعها ، أو كيفيّة أدائها ، وإن شئت قلت : فيما إذا كان الاختلاف في نفس الحكم الشرعي ، لا فيما إذا كان الاختلاف فيما هو مصداق لموضوع الحكم الشرعي.
مثلا لا خلاف بينهما في وجوب الإفطار في يوم أوّل شوّال ، أي يوم عيد الفطر.
فإذا وقع الاختلاف في مصداق هذا اليوم فحكم حاكمهم بأنّ يوم الجمعة مثلا عيد استنادا إلى ثبوت رؤية الهلال ليلتها ، فإذا علمنا بعدم مطابقة هذا الحكم للواقع وخطأ الحاكم أو الشهود ، فلا تشمل أدلّة إجزاء التقيّة مثل هذا المورد.
فإذا قامت حجّة شرعيّة من علم أو علمي ـ وإن كان هو الاستصحاب ـ على أنّ هذا اليوم من شهر رمضان ، فالإفطار في ذلك اليوم وإن كان جائزا إذا كان لخوف الضرر على نفسه أو ماله أو عرضه ، أو كان في الصوم فيه حرج ، ولكن لا يكون مجزيا ، فيجب قضاء ذلك اليوم ، كما هو الظاهر من مرسلة رفاعة عن رجل عن أبي
__________________
(١) « منتهى الأصول » ج ١ ، ص ٢٤٩.