رفع التقيّة وحصول الأمن مشروط بعدم المندوحة في كمال الوضوح.
ولكن مقتضى الجمع عرفا بين هذه الأخبار والأخبار المتقدّمة هو حمل هذه الأخبار على إمكان التخلّص في نفس وقت التقيّة ، بدون التأجيل وتأخير امتثال الواجب إلى زمان ارتفاع التقيّة ، أو بدون انتقاله إلى مكان آخر للفرار عن التقيّة ، بل يمكن في نفس المكان والزمان أن يأتي بالواقع الأوّلى ، ففي مثل هذا المورد لا يجوز أن يتّقى بإتيان الواجب موافقا لهم.
فاشتراط عدم المندوحة بهذا المعنى ممّا لا بدّ منه ، بل هو المشهور ، خصوصا إذا كان من الممكن إيهامهم أنّه يوافقهم ويأتي بالواجب على طبق مذهبهم ، مع أنّه لا يأتي إلاّ على طبق ما هو الحقّ عنده.
ويشير إلى هذا المعنى بعض الروايات ، كرواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت : إنّي أدخل المسجد وقد صلّيت فأصلّي معهم فلا أحتسب بتلك الصلاة؟ قال : « لا بأس ، وأمّا أنا فأصلّي معهم وأريهم أنّي أسجد وما أسجد » (١).
وخلاصة الكلام : هو أنّ الشارع اهتمّ بأمر التقيّة كثيرا للمصالح المهمّة في نظره ، ولذلك أمر المؤمنين بمعاشرتهم ، والحضور في مجامعهم ، وعيادة مرضاهم كي لا يعرفوهم بالرفض فيؤذوهم ، وبيّن لهم ما يترتّب على فعلهم الذي هو موافق معهم من الأجر العظيم والثواب الجزيل كي يرغبوا في العمل موافقا لهم في الكمّ والكيف لأجل حفظ دمائهم وأعراضهم وأموالهم.
فوسّع عليهم في أمر التقيّة بما لم يوسّع في غيرها من أنواع الاضطرار ، بل أمرهم أن يحضروا مساجدهم ويصلّون معهم في الصفّ الأوّل ، وقال عليهالسلام : « من حضر صلاتهم وصلّى معهم في الصف الأوّل كان كمن صلّى مع رسول الله في الصفّ الأوّل ».
__________________
(١) « تهذيب الأحكام » ج ٣ ، ص ٢٦٩ ، ح ٧٧٤ ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ، ح ٩٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٨٥ ، أبواب صلاة الجماعة ، باب ٦ ، ح ٨.