مانع ، أو يأتي بكيفيّة خلافها واجب أو مستحب.
وأمّا التقيّة في مقام الإفتاء كأن يفتي المجتهد بحرمة ما ليس بحرام ، أو بوجوب ما ليس بواجب ، أو بالعكس فيهما ، أو بالنسبة إلى سائر الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة ، فالأمر فيها أعظم ، ولعلّ أغلب عمومات التقيّة وإطلاقاتها لا تشملها ، ومنصرفة عنها ، فلا يجوز له الإفتاء بمجرّد خوف الضرر ، كما كان له ذلك في مقام العمل ، خصوصا إذا كان المفتي ممّن يتّبعة العموم ، وخصوصا إذا كان طول حياته لا يمكن له الرجوع عن فتواه ، فيبقى هذا الحكم والفتوى الباطلة محلّ الاعتبار ، ومورد عمل العموم على مرّ الدّهور.
ففي مثل هذا يجب الفرار والتخلّص عن الإفتاء بأيّ وجه ممكن. وكذا إذا كان الفتوى موجبا لتلف النفوس ، أو هتك الأعراض ، ففي الأوّل لا يجوز له أن يفتي وإن كان ترك الفتوى موجبا لهلاكه وقتله.
وأمّا الأئمّة المعصومون وإن صدر منهم الفتوى بعض الأحيان على خلاف الحكم الواقعي الأوّلي ، ولكن كانوا ينبّهون الطرف بعد ذلك بأنّها كانت على خلاف الواقع إمّا لأجل حفظ نفسه عليهالسلام أو لأجل حفظ نفس المستفتي. وقضيّة فتوى الإمام الكاظم عليهالسلام لعليّ بن يقطين في مسألة تثليث غسلات الوضوء صريحة فيما ذكرناه (١).
والحاصل : أنّ الفتوى على خلاف ما أنزل الله للتقيّة أمره مشكل ، ويختلف كثيرا من حيث المفتي ومقبوليّة رأيه عند العموم وعدمها ، ومن حيث إمكان إخبار الناس التابعين له أنّ هذه الفتوى لم تكن حكما واقعيّا وإنّما صدرت تقيّة ، وعدم إمكانه ، ومن حيث أهميّة المفتي به ، ومن حيث كونه موجبا لهلاك الأنفس وعدمه.
ففي بعض صور المسألة لا يجوز له الإفتاء ، وإن كان يعلم أنّه يقتل لو ترك ولم
__________________
(١) « الإرشاد » للمفيد ص ٢٩٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١ ، ص ٣١٢ ، أبواب الوضوء ، باب ٣٢ ، ح ٣.