هناک ، فقد قال في بيان هذا الأصل ما هذا نصه : ( إن القوة الخيالية جوهر قائم لا في محل من البدن وأعضائه ، ولا هي موجودة في جهة من جهات هذا العالم الطبيعي ، وإنما هي مجردة عن هذا العالم واقعة في عالم جوهري متوسط بين العالمين ، عالم المفارقات العقلية ، وعالم الطبيعيات المادية ، وقد تفردنا بإثبات هذا المطلب ببراهين ساطعة وحجج قاطعة ). (١)
ح) تجرد الصور الخيالية
لقد أثبت صدرالمتألهين لنا تجرد الصور الخيالية التي کان البعض يراها مادية ، فقد قال فيها : ( إن الصور الخيالية ، بل الصور الادراکية ، ليست حالة في موضوع النفس ، ولا في محل آخر ، وإنما هي قائمة بالنفس قيام الفعل بالفاعل لا قيام المقبول بالقابل ، وکذا الإبصار عندنا ليس بانطباع شبح المرئي في عضو الجليدية ونحوها کما ذهب إلى الطبيعيون ، ولا بخروج الشعاع کما زعمه الرياضيون ، ولا بإضافة علمية تقع للنفس إلى الصور الخارجية عند تحقق الشرائط کما ظنه الاشراقيون ؛ لأن هذه الآراء کلها باطلة ، کما بين في محله ، فالنفس عند خروجها عن هذا العالم ، فلا يبقى الفرق بين التخيل والإحساس اللذين کانا عند تعلقها بالبدن ، فالأول لا يحتاج إلى مادة دون الثاني إذ القوة الخيالية وهي خزانة الحس قد قويت ، وخرجت عن غبار البدن ، وزال عنها الضعف والنقص ، واتحدت القوى ، ورجعت إلى مبدئها المشترک ، فتفعل النفس بقوتها الخيالية ما تفعليه بغيرها ، وترى بعين الخيال ما کانت تراه بعين الحس ، فصارت قدرتها وشهوتها وعلمها شيئاً واحداً ، فإدراکها للمشتهيات نفس قدرتها وإحضارها إياها عندها ، بل ليس في الجنة إلا ما تشتهيه
ــــــــــــــــ
١. المصدر السابق ؛ وکذا : صدرالمتألهين ، العرشية ، ص ٤٩ ؛ الشواهد الربوبية ، المشهد الرابع ، الشاهد الأول ، الإشراق الأول ، مع اختلاف في التعبير في الأصل الخامس ، ص ٢٦٣.