هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لا يکون بحثنا القادم متعلقاً بجميع هذه الأدلة ، بل سيکون بخصوص بعض هذه الأدلة ؛ لأن أکثرها لا يخلو من الأشکال ولا يدل على المطلوب بصورة تامة ، ولذا رأينا أن نبين ثلاثة منها وهي کما يلي :
١. دليل الحکمة ؛
٢. دليل العدالة ؛
٣. دليل الحرکة.
وسوف نتناول هذه الأدلة الثلاثة بنحو من التفصيل في الأبحاث اللاحقة على أساس المنهج المنطقي العقلي ، ولکن نود أن نشير لکم أننا لا نزکي أنفسنا من الخطأ والاشتباه في تبيين هذا الأمر العظيم ، ويجب أن يلتفت إلى أن ثمرة ونتيجة کل دليل رهينة بمقدار حده الأوسط ، کما سيأتي بيان ذلک في نهاية کل دليل.
الدليل الأول : دليل الحکمة
الإلهية لقد ورد في القرآن الکريم قوله تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) ، (١) وقوله أيضاً : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ) ، (٢) وقوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) ، (٣) وقوله : ( مَا نُنَزِّلُ المَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُّنظَرِينَ ) ، (٤) وغيرها.
وقبل تقرير البرهان المستفاد من جملة هذه الآيات الشريفة ، ينبغي لنا أن نذکر مقدمة قصيرة لها علاقة بتقرير البرهان الآتي ذکره فيما بعد ، وهي :
إنّ الله ليس له هدف فاعل ، بل له هدف فعل.
وإنّ الله لا يصدر منه عمل بلا هدف.
ــــــــــــــــ
١. المؤمنون ، ١١٥ ، ١١٦.
٢. الأنبياء ، ١٦ ، ١٧.
٣. ص ، ٢٧.
٤. الحجر ، ٨.