في موارد متعددة ومعينة ، بل قد يکون ذلک في أکثر موارده خصوصاً بالنسبة للنفوس غير المستکملة کما يذهب إليه أتباع المذهب التناسخي ، وهذا التنافي يبطله علاقتهما وترکيبهما معاً الذي يحکم بوجوب التناسق بينهما من حيث القوة والفعل.
في إبطال قول الغزالي بالتناسخ في عالم الآخرة
بالمقدار الذي مرّ نکتفي من ذکر براهين إبطال التناسخ بأقسامه المختلفة ، ولکن يبقي شيء واحد وهو : هل التناسخ الذي تم إبطال أکثر أقسامه ، يشمل تعلق النفس ببدن جديد مطلقاً سواء کان في هذه النشأة أو في النشأة الأخرى ، أم أنّه خاص برجوع النفس من فعليتها إلى عدم الفعلية مرة أخرى ، وتعلقها بالبدن الجديد في هذه النشأة الأولى فقط ؟ هذا هو محل الکلام الذي نحن في صدد إثباته إيجاباً أو سلباً ، فقد ذهب الغزالي إلى عدم صدق التناسخ حقيقة على تعلق النفس بالبدن المماثل للبدن الدنيوي في عالم الآخرة وإن سمى تناسخاً في لسان القوم ؛ باعتبار أن الشرع أجاز ذلک ، کما جاء في کلامه الآتي : ( إن الروح يعاد إلى بدن آخر غير الأول ، ولا يشارک له في شيء من الأجزاء ... ثم قال : فإن قيل : هذا التناسخ ، قلنا : سلمنا ولا مشاحة في الأسماء ، والشرع جوّز هذا التناسخ ومنع غيره ). (١)
وفي موضع آخر من کتاباته قال : ( ... بأن هذا التناسخ ، فلا مشاحة في الأسماء ، فما ورد الشرع به يجب تصديقه ، فليکن تناسخاً ، نحن إنما ننکر التناسخ في هذا العالم ، وأما البعث فلا ننکره سمى تناسخاً أو لم يسم تناسخاً ). (٢)
وهنا نسأل عن محذور التناسخ الباطل هل هو من جهة الشرع ، أم من جهة العقل ؟ وهل أن الشرع يجيز ما حکم العقل في استحالته أم لا ؟ أو بعبارة أخرى هل أن محل بحث التناسخ شرعي أم عقلي ؟ وإذا کان شرعياً فما هو المانع من تعلق
ــــــــــــــــ
١. المصدر السابق ، ج ٩ ، ص ٢٠٨ : نقلاً عن تهافت الفلاسفة للغزالي.
٢. أبو حامد الغزالي ، تهافت الفلاسفة ، کتاب ص ٢٤٣.