٣. ماهية الإنسان
کان علينا أن نبين أن البحث عن تحديد ماهية الإنسان المقصود بالخطاب الإلهي من قبل صدرالمتألهين يختلف عما عليه بعض الفلاسفة المتقدمين عليه کابن سينا وأرسطو ؛ (١) إذ جعل ابن سينا الذي يقع مورد الخطاب الإلهي هو النفس في مرتبتها العقلية لا في جميع مراتبها الأخرى ، کما مرّ علينا بيانه في بحث المسألة الخامسة عن بحث المعاد الجسماني من وجهة نظر ابن سينا ، بينما ، (٢) يرى أرسطو أن المقصود بالخطاب الإلهي هو النفس الإنسانية ، وهي جوهر مجرد متحد مع البدن نوع اتحاد المادة بالصورة ، ولکن الذي يذهب إليه صدر الدين المتألهين هو أن المقصود بالخطاب الإلهي هو النفس الإنسانية المجردة التي تشکل في وحدتها کل القوى ، وهي جوهر مجرد ذاتاً لا فعلاً ، کانت في بدايتها جسمانية الحدوث ، وفي بقائها وتعلقها روحانية ، وهذا ما برهن عليه في سائر کتبه الفلسفية ، (٣) في الوقت الذي کان ابن سينا يذهب فيه إلى مادية القوة الخيالية ، جاء ملاصدرا وبرهن على أنها مجردة ، کما وضحنا هذا الأمر في بداية هذه الأطروحة في الفصل الأول ضمن بحث الأصول الموضوعة فلا حاجة بعد للتکرار ، فليراجع. (٤)
ثم أنه ذکر ما يقارب أحد عشر حجة على إثبات تجرد النفس في کتابه الأسفار ، المجلد الثامن ، (٥) وبعد تقرير هذه الحجج ذکر شواهد قرآنية وأحاديث روائية من
ــــــــــــــــ
١. النفس بما هي جوهر وصورة نوعية لفرد ما مجردة ذاتا لا فعلاً عند الجميع ، ولکن وقع الاختلاف في تجرد قواها وعدمه ، وکذلک وقع الخلاف بينهم في حقيقة وکيفية تعلقها بالبدن ، فذهب أرسطو إلى أن اتحادها نوع اتحاد المادة بالصورة ، وابن سينا إلى علاقة التأثر والتأثير ، کعلاقة الرباني بالسفينة ، وصدرالمتألهين إلى أنها علاقة لزومية لا تنفک عن البدن أبداً ، وإن اختلفت صورته.
٢. راجع أطروحتنا هذه ، المسألة الخامسة ، ماهية الإنسان التي تقع مورد الخطاب الإلهي ، الفصل الخامس.
٣. صدرالدين ، الأسفار ، ج ٨ ، ب ٧ ، ف ٢ ، ص ٣٣٠.
٤. راجع أطروحتنا هذه ، الفصل الأول ، في الأمور العامة ، الأصل الأول.
٥. صدرالمتألهين ، الأسفار ، ج ٨ ، ب ٦ ، ف ١ ، ص ٣٣٤ ـ ٣٣٨.