فتبيّن لنا من خلال ما مرّ من هذه الأقوال أن الأصل اللغوي فيها للمعاد هو بمعنى المرجع والمصير ، وهو في الأصل اللغوي مفعل أي معود ، مأخوذ من العود.
ويطلق علي المعنى المصدري يعني العود والرجوع ، وعلى زمان العود ، فيکون اسم زمان ، وکما يطلق على مکان العود ، فيکون اسم مکان ، هذا فيما إذا أخذ بالفتح ، بينما لو أخذ بالضم ، فأنه يراد به نفس الشيء الذي يقع متعلقاً للرجوع والعود ، والذي هو محل بحثنا في هذه الرسالة. فانتبه !.
ثانياً : التعريف اللاصطلاحي للمعاد
الذي يطالع کلمات الفلاسفة والمتکلمين في هذا الباب ، يجد أن أغلبها يذهب إلى من معناه توجه الشيء إلى ما کان عليه ؛ وذلک استناداً منهم إلى قوله تعالى: ( ... كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ). (١)
ولا يخفى من أن المراد بالمعاد باصطلاحهم هو الرجوع بعد الفناء ، أو رجوع أجزاء البدن إلى الاجتماع بعد التفرق ، وإلى الحياة بعد الممات ، والأرواح إلى الأبدان بعد المفارقة ، وقد عرف بتعاريف تتناسب مع المبني الذي يتبناه صاحب التعريف ، فمثلاً عرفه صاحب شرح المقاصد بأنه : ( إعادة الأجزاء الأصلية ، لا إعادة الأجزاء الفاضلة ) ، (٢) وعرفّه في کتابه الأربعين بأنه : ( عبارة عن إحياء الموتى إخراجهم من قبورهم ، بعد جمع الأجزاء الأصلية التي من شأنها ذلک کالظفر ) ، (٣) فإن هذين التعريفيين وما سبقهما يدلان علي أن الناس تعود بأجسامها وأرواحها في اليوم الآخر ، وهو معنى خروجهم من قبورهم أحياء ، ولکن مادام بحثنا في إطار المقارنة بين اثنين من الفلاسفة ، واثنين من المتکلمين ، وهم : الشيخ الرئيس ابن سينا ، وصدر المتألهين ، الخواجة نصير الدين الطوسي ، وأبو حامد محمد الغزالي ، فإنا سنقوم بنقل تعاريفهم للمعاد ؛ لأجل تحقيق هذا الغرض ؛ لأجل أن يتبين لنا مدى الاختلاف والانفاق بينهما.
ــــــــــــــــ
١. الأنبياء ، ١٠٤.
٢. سعد الدين التفتازاني ، شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ١٥٣.
٣. فخر الدين الرازي ، الأربعين في أصول الدين ، ص ٢٩٢.