ولأجل أن تتضح لنا الصورة بشکل جيد وواضح ، کان علينا أن نذکر أسلوبه في ذلک بنحو من التفصيل يتناسب مع طبيعة هذا البحث وغرضه ، وإليک التوضيح :
١. موقف الغزالي من الأساليب العلمية في التحقيق
يعد المنهج العلمي التحقيقي للغزالي نوعاً خاصاً به ، لم ينتهج مثل هذا الأسلوب في المذهب السني من قبل ؛ إذ أنّه قد اعتمد فيه على مجموعة أساليب مختلفة ومتنوعة ، فقد جمع بين الأسلوب الکلامي ، والأسلوب الفلسفي القائم على الطريقة البرهانية العقلية ، والأسلوب الصوفي والذوقي القائم على أساس المعرفة القلبية ، وقد عدّ الأسلوب الأخير أوثق من الأسلوبين الأخريين الجدلي والعقلي ، وکما سيأتي بيان قيمة کل واحد منهما وجهة نظر الغزالي ، ولکنه لم ينتخب هذا النهج الذوقي بدون سابقة قيمة کل واحد منهما من وجهة نظر الغزالي ، ولکنه لم ينتخب هذا النهج الذوقي بدون سابقة معرفة وإطلاع ، بل کان مطلعاً على مجموعة کبيرة من الکتب التي دونت في المجالين المذکورين الکلامي والفلسفي ، بل أکثر من ذلک ، فقد کانت له کتابات کثيرة فيهما ، وکان غرضه منها حفظ عقيدة أهل السنة وحراستها من تشويش أهل البدع بحسب تعبيره خصوصاً ما جاء به الفلاسفة آنذاک من آراء مخالفة للسنة هذا من جهة ، ومن جهة أخرى کان يرى طريقة المتکلمين قائمة على أساس الجدل الذي يعتمد على مقدمات غير يقينية تسلموها من خصومهم واضطروا إلى علمها ، ولکن هذا بنظر الغزالي لم يکن کافياً في کشف حقائق الأمور ، فيبقى علم الکلام غير واف للغرض المطلوب ، وقد لخص موقفه من هذا العلم بما حاصله : ( فصادفته علماً وافياً بمقصوده غير وافٍ بمقصودي ) ، (١) ويقول الغزالي أيضاً : ( إن المتکلمين لم يفارقوا عقود العوام ، وإنما فارقوهم بالجدل ... والجدل علم لفظي وأکثره احتيال وهمي ، وهو عمل النفس وتخليق الفهم ، وليس بثمرة المشاهدة
ــــــــــــــــ
١. أبو حامد الغزالي ، المنقذ من الضلال ، ص ٢٧.