لا يُظْلَمُونَ ) ، (١) وغيرها من الآيات الکريمة.
فمتعلق العدل هو موارد استحقاق الجزاء بالطاعة أو المخالفة ، وهما متعلقان بأفعال المکلفين ، وغير متکلف لا يصح أن نسمية عاصياً أو مطيعاً ، وکما ذکرنا سابقاً أن البرهان رهن حده الأوسط ، وحده في المقام هو العدل الإلهي ، والنتيجة تابعة له ، فعليه أن موارد تحقق العدل هي ما يتعلق بموارد التکليف دون موارد عدم التکليف.
الدليل الثالث : دليل الحرکة
وقد أشار إليه الحق تعالى بمجموعة من آيات الذکر الحکيم ، کما جاء في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ ) ، (٢) وقوله تعالى : ( إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المُسْتَقَرُّ ) ، (٣) ولقوله تعالى : ( قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ). (٤)
فالمتدبر في هذه المجموعة من الآيات الشريفة يتضح له بکل وضوح معنى الحرکة والسير باتجاه الحق تعالى الذي منه البداية وإليه النهاية ، وقد نقل صاحب تفسير الميزان عن الراغب أنه قال : ( الکدح السعى والعناء ، فقال : ففيه معنى السير ، وقيل : الکدح جهد النفس في العمل حتى يؤثر فيها ، وعلى هذا فهو متضمن معنى السير ، بدليل تعديه ب ( إلى ) ففي الکدح معنى السير على أي حال ، وقوله ( فملاقيه ) عطف على کادح ، وقد بيّن به غاية السير والسعي والعناء هو الله سبحانه بما أن له الربوبية ، أي أنّ الإنسان بما أنّه عبد مربوب ومملوک مدبّر ساع إلى الله سبحانه إلى أن قال : ومن هنا يظهر أولاً : أن قوله ( أنک کادح إلى ربّک ) يتضمن حجة على المعاد ، لما عرفت أن الربوبية لا تتم إلا مع العبودية ولا تتم العبودية إلا مع مسؤولية ولا تتم مسؤولية ، إلاّ برجوع وحساب على الأعمال ، ولا يتم حساب إلا بجزاء ثم قال : إنّ المراد بالإنسان الجنس ؛ وذلک أن الربوبية عامة لکل إنسان ... . (٥)
ــــــــــــــــ
١. الجاثية ، ٢١ ، ٢٢.
٢. الانشقاق ، ٦.
٣. القيامة ، ١٢.
٤. البقرة ، ١٥٦.
٥. الميزان في تفسير القرآن ، ج ٢٠ ، ص ٣٦٠.