٥. في ماهية الإنسان المکلف بالخطابات الإلهية
لا يخفى علينا دور هذه المسألة في تحقيق مسألة المعاد الجسماني ، بل قد تکون من أهم مسائله التي يتوقف عليها دراسته وتحقيقه وإثباته ، فلا معاد ما لم يثبت موضوعه ، فهي القطب الذي يدور عليه أبحاث المعاد ، وقد سبق وأن بينا الأقوال فيها ، ثم قمنا بعد ذلک بمناقشة بعضها ، وما بقى علينا هنا إلا أن نبيّن رأي الشيخ الرئيس ابن سينا فيها ؛ لأن الإشارة السابقة کانت مجملة عامة شاملة لجميع الفلاسفة والحکماء ، فعلينا علينا أن نذکر رأي الشيخ الرئيس مفصلاً فيها ، فقد ذهب جمهور الفلاسفة والحکماء إلى القول الآتي : بأن ماهية الإنسان التي تقع مورد الخطاب الإلهي جوهر مجرد لا جسم ولا جسماني ، إلا أنه يجب الالتفات إلى مسألة مهمة ، وهي أن هذا الجوهر المجرد الذي يعبر عنه في الإنسان بالنفس الناطقة ، قد اختلف الفلاسفة في مسألة قواه ، هل هي مجردة أم مادية منطبعة بجزء مادي ؟ وقد ذهب الشيخ الرئيس ابن سينا إلى القول بتجرد القوة العقلية دون القوى الأخرى کالقوة الوهمية والخيالية ، بينما نرى ملا صدرا ذهب إلى تجرد جميع القوى العقلية والخيالية والوهمية وستأتي الإشارة إليها في محله. نعم قد يفهم من بعض عبارات الشيخ الرئيس الإشارة إلى القول بتجرد القوة الخيالية ، کما فهم ملا صدرا ذلک من عبارته التالية : ( إن الصور الخيالية ليست تضعف عن الحسية ... ) ، (١) فقال صدر المتألهين في شرحه لکتاب الهداية الأثيرية : ( وللشيخ الرئيس إشارة خفية في آخر إلهيات الشفاء إلى وجه في صحة المعاد الجسماني بقوله : إن الصور الخيالية ليست تضعف عن الحسية ... ) ، (٢) ويريد أن يؤکد في قوله هذا ما ذهب إليه في جعل تجرد القوه الخيالية رکناً أساسياً في ثبوت المعاد الجسماني الذي قال به.
ــــــــــــــــ
١. الشيخ الرئيس ابن سينا ، الإلهيات من کتاب الشفاء ، تحقيق آية الله حسن حسن زاده آملي ، ص ٤٧٣.
٢. صدر المتألهين ، شرح الهداية الأثيرية ، ص ٣٧٧.